معركة الرئاسة السورية التي بدأت

ساطع نور الدين
الإثنين   2020/04/20
إما أن الرئيس بشار الاسد لم يدفع بدل عقود عمل لشركة "فاغنر" للمرتزقة الروس، أو أنه لم يدفع ثمن القمح الذي إشتراه من روسيا.. ليس هناك من سبب ثالث للاكتشاف الروسي المتأخر بأن نظامه فاسد وضعيف، وبلا مستقبل.

معايير السياسة في روسيا ليس لها منطق واضح. هي تُبنى  في الغالب على حسابات الربح والخسارة التي يعتمدها أي دكان صغير، لا أي مؤسسة كبرى، أو دولة عظمى. لذلك فإن الانطباع الاول الذي تكوّن جراء الحملة الاعلامية الروسية المنظمة على الاسد وأسرته ومحيطه، هو الابتزاز والضغط للحصول على المبالغ المستحقة، التي لم تحدد قيمتها الفعلية، ولم يُذكر ما إذا كانت تشمل صفقات السلاح والذخيرة التي كانت إيران ولا تزال تغطيها.

لا يمكن لأحد أن يتصور ان روسيا، التي زجّت بجيشها ومرتزقتها وسلاحها الجوي والصاروخي في العام 2015 لحماية الاسد ومنعه من السقوط في غضون أسابيع، (حسب التقديرات الروسية والايرانية المعلنة رسميا في ذلك الحين) ، لم تكن تملك تلك المعلومة الراسخة عن أن فساد النظام السوري هو جزء من تكوينه، وتاليا هو الوجه الآخر لوحشيته.

في تلك الفترة، كانت الفكرة السائدة هي أن إجتماع الفساد السوري مع الفساد الروسي الذي لا يزال يذهل العالم كله، سيؤدي الى حلف مقدس بين جهازين مافويين، يمكن ان يصمد لعقود طويلة، ويساهم في تعزيز قبضة النظامين على البلدين، مع غلبة واضحة للجهاز الروسي الضخم والقوي الذي يمكن ان يبتلع سوريا بسهولة فائقة.

لا دليل حتى الآن على أن تلك الحملة الروسية على الاسد وفريقه، تعني فك ذلك الحلف، بل ربما فقط تغيير بعض رموزه وقواعد عمله وإعادة توزيع مهامه وتقييم مصالحه المشتركة.. مستفيداً من تضاؤل الدور الايراني وندرة الاموال التي كانت طهران تضخها في شرايين النظام السوري، والتي فاقت كل ما دفعته جميع الدول العربية والاجنبية في تدخلاتها السابقة في الحرب السورية.

مقابل عدم التسليم المسبق بان فساد النظام السوري هو مشكلة روسيا الكبرى وهاجسها الاهم في سوريا، لا يمكن إستبعاد فرضية ان موسكو تساوم طهران بشكل غير مباشر على تغطية ديون الاسد المتراكمة، طالما أنها لا تزال تمتلك إحتياطياً نقدياً معقولاً، قدره الاميركيون أخيراً بنحو 110 مليارات دولار، بات النظام الايرانية يضيق في الإنفاق منها على حلفائه ووكلائه في الخارج ، في ظل أزمته الاقتصادية الخانقة التي تفاقمت جراء غزو فيروس كورونا القاتل.

في سياق الحملة الروسية الراهنة على النظام في دمشق ورد تفصيل مثير، وهو إستطلاع الرأي الذي أجراه معهد روسي رسمي مقرب من الكرملين، وأفادت نتائجه أن 23 بالمئة من السوريين فقط يؤيدون إعادة ترشيح الاسد في الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل. هنا أيضاً لا يبدو أن الروس يكشفون سراً دفيناً، يعرفه العالم أجمع، ولم يعد ينكره حتى أشد الموالين للاسد الذين يفقدون ثقته به يوماً بعد يوم.. وهم في الواقع أولئك الذين شملهم وحدهم الاستطلاع وجاهروا بموقفهم من النظام، من دون ان يميلوا طبعا الى المعارضة السورية، التي يدرك العالم أجمع أيضاً أنها لم تعد قادرة على نيل نسبة ال23 بالمئة!

في هذا التفصيل، يبدو أن الكرملين حسم أمره، وتخطى فكرة الابتزاز، أو ربما إرتقى بها الى مستويات أوسع وأشمل وأبعد من حدود سوريا..بناء على واحدة من أهم مفارقات التدخل الروسي في سوريا أن موقف القيادة الروسية من الأسد شخصيا، تدرج من عدم الثقة الى عدم التقدير الى عدم الاحترام وصولا الى الازدراء المعبر عنه أخيراً بطريقة لم يسبق لها مثيل.

ومن الوقائع المعروفة لذلك التدخل الذي لقي تأييداً بل ترحيباً عربياً ودولياً أن موسكو حاولت منذ اليوم الاول المساومة على الاسد، لكن أحداً من العرب والاميركيين والاوروبيين لم يبد إهتماماً. لكنها أوحت أكثر من مرة لجميع هؤلاء ان الاسد لن يكون بالضرورة مرشحها لولاية رئاسية جديدة، بل ربما لن يرشح نفسه للمعركة المقبلة المقررة العام 2021. 

لعل هذا هو جوهر ما تقوله الحملة الروسية، التي تطلب من الاسد صراحة أن يستعد من الآن لترك الرئاسة العام المقبل، وتدعو الاخرين الى التفاوض على إسم الرئيس السوري المقبل.