لأوروبا مسؤولية عن لبنان

مهند الحاج علي
الإثنين   2020/03/09
بعد إعلان رئيس الوزراء الحالي حسان دياب التخلف عن دفع استحقاقات الدين الخارجي، من المرتقب أن يسعى لبنان الى الحصول على مساعدات خارجية عاجلة لتمويل مشاريع داخلية وتأمين الحاجات الأساسية للبلاد بالتزامن مع محاولة تنفيذ الإصلاحات الوعودة. دون ذلك، انهيار بطيء يبدأ مع تدهور سعر صرف الليرة وارتفاع التضخم وينتهي بالفوضى وبأزمة انسانية.

لكن من يؤمن الدعم المطلوب لانتشال لبنان من ورطته؟ والأهم من ذلك، هل هناك فعلاً إصلاحات ستلي إعلان دياب عن التخلف عن سداد الديون؟

هنا ينبغي التمييز بين نوعين من الدعم. الأول هو توفير سلة إنقاذية للمساعدة في النهوض بالاقتصاد اللبناني، باتجاه العودة الى مربع النمو. ومثل هذا الدعم يتراوح وفق الخبراء الاقتصاديين بين 15  و25 مليار دولار أميركي على الأقل. النوع الثاني هو تلبية الحاجات الأساسية للبنانيين واللاجئين المقيمين على الأراضي اللبنانية خلال الفترة المقبلة للحؤول دون انهيار شامل في البلاد.

واقعياً، ونظراً إلى الحملة الأميركية على ايران ومعها "حزب الله" في لبنان، من الصعب توقع الحصول على سلة دعم شاملة من المجتمع الدولي، إذ أن هناك رغبة أميركية واضحة في رفع حجب الدعم من أجل الضغط على "حزب الله". عملياً، يُؤخذ اللبنانيون رهائن في المواجهة بين واشنطن وطهران. 

ولو افترضنا أن هناك فعلاً دعماً قد يأتي. هل يُصدق أحد في لبنان أن هناك إصلاحات؟ الحكومات الحالية والسابقة وعدت ثم تخلفت عن إقرار الإصلاحات المطلوبة من أجل الحصول على دعم دولي. والسبب في ذلك أن الإصلاح البنيوي غير ممكن مع وجود هذه الطبقة السياسية في الحكم، إذ أنها تعتمد النظام الريعي القائم على توزيع الغنائم من الدولة على أنصار الأحزاب. كيف سيُحافظ هؤلاء الأباطرة على زعامتهم وشبكات الأنصار، إن لم يُوزعوا عليهم خدمات ووظائف من وريد الدولة؟

من الصعب توقع إصلاحات جذرية تنال طبيعة النظام. صحيح أن رئيس الوزراء حسان دياب وعد بذلك، لكن سبقه اليها أكثر من بيان وزاري لم يتقدم أصحابه خطوة واحدة في هذا الإتجاه. هل يتوقع أحد مثلاً إصلاح قطاع الطاقة أو الاتصالات أو البيئة (اقفال الكسارات ووقف الهدر)؟

على الأرجح، قد نرى بعض الخطوات الخجولة والشكلية دون الخوض في إصلاحات جذرية. قد نشهد محاولة لإلغاء المجالس الإنمائية (هيئة الإغاثة، الانماء والاعمار، مجلس الجنوب)، رغم الاعتراضات الكثيرة على ذلك. ستُفاوض الحكومة الدائنين من أجل إعادة هيكلة الديون الداخلية والخارجية. 

لا فارق بين الوعود الجديدة وتلك القديمة. ما زالت التشكيلة السياسية على حالها، ولم نر واحداً من المتعهدين والفاسدين من حواشي هؤلاء الزعماء، يدخل سجناً أو غرفة تحقيق. وبالتالي، لن تكون الخطوات الحكومية كافية وحدها لتذليل العقبات دون تمويل خروج لبنان من محنته.

من المبرر أن لا يحصل لبنان على سلة مساعدات واسعة، في وقت تواصل الطبقة السياسية عينها ممارساتها الفاسدة دون توقف أو مراجعة ذاتية حقيقية. هذا مبرر. لكن في المقابل، على المجتمع الدولي وتحديداً أوروبا تحمل مسؤوليات حيال لبنان، ومن الضروري توفير مساعدة الحد الأدنى للحؤول دون أزمة إنسانية.

ليست هذه المسؤولية مبنية على التقصير الأوروبي في موضوع اللاجئين أو عدمه، بل هناك بعد اقتصادي صرف لها. عندما نتحدث عن الخلل البنيوي في الاقتصاد اللبناني، فإن أوروبا هي طرف أساسي في تكوين عجز الميزان التجاري. الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول للبنان، وهو مثال صارخ على العلاقة التجارية المختلة لهذا البلد المنكوب مع العالم. عام 2017، استورد لبنان من الاتحاد سلعاً بقيمة  7.2 مليار يورو (هذا المبلغ يوازي ربع ما قدمته الدول الأوروبية للبنان للمساعدة في أزمة اللاجئين منذ عام 2012). في المقابل، صدر لبنان بضائع بقيمة 400 مليون يورو الى الاتحاد الأوروبي، أي أن هناك عجزاً تجارياً بقيمة 6.8 مليار يورو. صحيح أن السلطة السياسية وخياراتها الاقتصادية الخاطئة مسؤولة في المقام الأول عن هذا العجز الفائض، إلا أن الاستفادة الأوروبية منه تُرتب على بروكسيل بعض المسؤولية وربما المصلحة في عدم غرق البلد بأسره في لجج الفوضى والجوع والفقر. 

هذه الثلة الحاكمة ليست إصلاحية بالتأكيد، ولا تستحق برنامجاً انقاذياً شاملاً. لكن في الوقت ذاته، ليس الانهيار الشامل خياراً، ويجب تجنبه بأي ثمن.