حذار من الغضب القادم لا محالة!

جهاد شمص
الإثنين   2020/03/30
تعددت مؤخرا المواقف التي تعلن انتهاء انتفاضة 17 تشرين العارمة. معظمها ينجم عن مرارة وغضب لكن قسماً لا يستهان منها يهدف الى احباط الثوار ونشر اليأس كجزء من الهجمة المضادة التي تشنها منظومة السلطة وحماتها لاستعادة المبادرة وإعادة ما عبرت عنه الساحات من وحدة وطنية الى حظيرة الزعامات الطائفية والمذهبية.

من الواضح ان مسار الثورة واجه عثرات عديدة رافقته منذ انطلاقها. لا بد من الإشارة باقتضاب الى بعضها.  الكل يتذكر خطاب الثلاث لاءات الذي جاهر بحماية المنظومة وادى الى انكفاء قسم واسع من المشاركين في الانتفاضة رغم معاناتهم من نهج النهب والتجويع والفساد. لا بل تم استخدام بعضهم بدوافع مادية ومذهبية لقمع شركائهم في المعاناة والغضب. كما ان طبيعة الانتفاضة وتعددية المشاركين فيها اتاحت لكمٍ لا يستهان به من مدسوسي الأجهزة ومن متسلقين وقناصي الفرص من انتحال صفة "ثوار". كما ان طابع الانتفاضة الشعبي وغياب اطر وقوى سياسية منظمة وانتفاء حاجتها الى قيادة واضحة ومركزية، رغم إيجابية ذلك، جعل من بلورة شعارات ومهام سياسية مسألة فائقة التعقيد وأدى الى عدم دقة لبعض هذه المهام. فعلى سبيل المثال، لقي شعار اسقاط الحكومة وتأليف حكومة مستقلين شبه اجماع المنتفضين لكن عدم الدقة التي تمظهرت باستخدام شعار حكومة تكنوقراط حيث اسقطت صفة مستقلين، عن قصد، كما بينت التطورات لاحقا مما أدى الى تأليف حكومة "تكنوقراط" لكنها لا تتمتع باي استقلالية بل أتت لتمويه استمرار قوى المنظومة متنكرة في نهج الفساد والنهب. لا بل جرى تهريب جلسة نيلها للثقة من مجلس نواب فاقد للشرعية الشعبية بشكل لا دستوري..

واتى تفشي فيروس الكورونا ليفرض اخلاء الثوار للساحات بفعل الحجر الصحي الذي فرضته الحكومة متأخرة، ومعرضة "لاعتبارات سياسية" وفق وزير "لا داعي للهلع" فيها، كل المقيمين في البلاد لعواقب خطيرة برهن انتشار الوباء فداحتها. وبعد مخاض عسير أعلنت قوى المنظومة ما ارتأته بعد طول تمحيص من "تعبئة عامة" هجينة وغامضة اقرب اليها من حالة طوارئ غير معلنة تمارس كل ما تتيحه حالة الطوارئ من منع وتضييق لكنها تتفادى وضع الامرة لدى مؤسسة الجيش التي تتمتع بثقة أكبر لدى المواطنين خلافاً للمؤسسات السياسية ما جعل مرجعية إدارة الأمور غير مرئيه وبالتالي، وكما بينت التطورات، بأمرة الثلاثي وبتوجيه المرشد الأعلى الذي لم يتوان عن إعطاء التوجيهات علنا عدة مرات..

ويمكن القول ان اهم صفات هذه الحكومة انها تلد لجاناً عديدة على مر الساعة. اما العلاجات المطلوبة بإلحاح فمتروكة لقيادات الثلاثي ليتم إعلانها عبر القصر الرئاسي أو بتوجيهات عبر شاشة التلفزة.. وتظهر نزاعات المحاصصة ان هذه القوى بالتشارك مع أصحاب المصارف وكبار المتعهدين والتجار ما زالت تعيش إنكار حدوث 17 تشرين وتتجاهل حقوق اللبنانيين وتطلعاتهم وتستمر في نهج تقاسم الجبنة ونهب ما تبقى من ودائع اللبنانيين ومن مقدرات البلاد وتسعى لضمان حصص ثابتة من موارد الثروة الباطنية عبر اتفاقيات مجحفة وغامضة مع الكارتلات النفطية..

كما تستغل القوى والأحزاب الطائفية احتياجات اللبنانيين ولا سيما الذين فقدوا موارد رزقهم بحكم الحجر الصحي متواطئة مع وسائل اعلام صفراء لتحسين صورتها واستعادة جمهورها وشد عصبه باستدراجه للاحتماء بحزبه وطائفته ومذهبه وتنخرط مافيا المصارف في هذه العملية متبرعة بفتات لا يذكر مما نهبته بالشراكة مع هذه الأحزاب والقوى. وإذ بنا امام مشهد استغلال الكمامة والمعقم لإعادة البلد الى الكانتونات ومناطق نفوذ الميليشيات. فماذا يمنع عودتها بالسلاح؟

هناك ما قد يبرر ما يعبر عنه البعض من اعلان انتهاء الانتفاضة، لكن الواقع يختلف كثيرا. فالغضب الشعبي ضد منظومة السلطة يتزايد امام التمادي في تجاهل حقوق الناس واستغلال كارثة الوباء لتمرير صفقات جديدة واهمال المتطلبات الصحية والمعيشية لسكان ارغموا على البقاء في الحجر دون موارد او عناية. ويتزايد أيضا لوم قوى الثورة التي غابت عن السمع بشكل شبه كامل ولأنها لم تطور صيغ تواصلها والتنسيق فيما بينها لتصعيد الضغط على السلطة ولكبح جماح نهج الفساد والهدر والإهمال..

لكن المؤكد أن كل ما يجري من ممارسات يؤدي إلى مراكمة غضب سينفجر بعد الخروج من أزمة الكورونا، وربما قبل ذلك، وسيكون شاملا وعظيما وسيدفع اطراف السلطة وحماتهم ثمن ذلك. كما ان تلكؤ القوى والمجموعات والشخصيات المسؤولة والصادقة في أوساط الثوار عن بناء وتطوير تنسيق وعمل جبهوي بشعارات ومهام سياسية واضحة ودقيقة تلتف حولها جموع الغاضبين قد يحول هذا الغضب الى انفجار عدمي عنيف بسبب اليأس وغياب الأفق.

أن قوى الثورة النزيهة، افرادا ومجموعات وما هو قيد التبلور كجهات سياسية، مدعوة بإلحاح الى التحضير لموجة الثورة الآتية لا محالة والتعجيل في تطوير التنسيق في ما بينها وصولا الى صيغ عمل جبهوي بشعارات ومهام سياسية واضحة لان العودة الى الميدان من دون ذلك تهدد الثورة ومصير البلاد.