سوريا..لعبة روسية تركية

ساطع نور الدين
الخميس   2020/02/06
عندما يُقال لأي مسؤول تركي أن ثمة صعوبة في فهم ذلك "الحلف" القائم مع روسيا حول إدارة الازمة السورية، يبادر على الفور الى الرد بأنه هو نفسه يجد صعوبة في إستيعاب تلك العلاقة الغريبة بين بلدين يجلسان بشكل دوري حول طاولة واحدة، ويوقعان الاتفاقات والتفاهمات الامنية والسياسية حول سوريا، ويتبادلان في الوقت نفسه إطلاق النارعلى جبهاتها.. ويحافظان على قدر كبير من التعاون والتنسيق حول بقية الشؤون الاخرى التي تهمّ شعبيهما.

لا يمكن تفسير ذلك "الحلف" فقط بإضطراب العلاقة التي تربط كلا منهما بأميركا او الغرب. فسوريا هي أقرب الى كونها مأزقاً إفتعله الاميركيون والغربيون عموما. ولا مصلحة لروسيا وتركيا سوى الشراكة في الشأن السوري وترسيم حدود المصالح المتبادلة بشكل نهائي ودقيق، بما يسمح بتحقيق مكاسب في الصراع التركي او الروسي المفترض مع الغرب، ويحول دون تورط البلدين في تنافس شديد، وإشتباك متكرر حول مستقبل نفوذ كل منهما في سوريا.

الرئيس السوري بشار الاسد لم يكن يوماً نقطة خلاف بين موسكو وأنقرة اللتين تعتقدان بدرجات متفاوتة أنه ليس له مستقبل في حكم سوريا. النظام السوري هو جوهر الخلاف كما يبدو. لكنه لم يطرح حتى الآن على جدول أعمال أي لقاء روسي تركي. كما لم يطرح شكل الجيش الذي سيحمي ذلك النظام..ولن يطرح في المستقبل القريب، طالما ان روسيا وتركيا تستنزفان معا وحداته العسكرية المقاتلة في معركة مفتوحة منذ ثلاث سنوات، لم يستفد منها سوى الاسلاميين السلفيين السوريين.

الاشتباك الحالي في شمال سوريا، وتحديدا في إدلب وريفها، هو جزء من تلك المعركة الروسية التركية غير المفهومة. تقول أنقرة أن موسكو هي التي فتحت النار عمداً على نقاط المراقبة التركية، ما أدى الى مقتل ثمانية جنود أتراك، وإنقلبت على إتفاقات أستانة، ووضعت في وجه تركيا عشرات ثم مئات الالاف من النازحين السوريين. وتقول موسكو أن أنقرة هي التي بادرت الى إطلاق النار، عندما سمحت للمسلحين السوريين بتنفيذ "أكثر من ألف عملية" إنطلاقا من مناطق سيطرتها، ضد أهداف روسية في بانياس وحميميم وحلب وإدلب، أسفرت إحداها عن سقوط أربعة قتلى من الجنود الروس.

الإشتباك الحالي ليس نهاية المطاف بالنسبة الى ذلك الحلف العجيب، بين تركيا التي تشعر بأن الجوار الجغرافي والتداخل السكاني والتورط المسبق في الازمة السورية يمنحها حقوقاً تفضيلية على روسيا التي تدخلت في وقت متأخر بهدف واحد هو إيجاد موطىء قدم على الارض السورية يفيد تصنيفها الحالي كقوة دولية كبرى، خاضعة لحصار غربي مشدد، من دون إستراتيجية واضحة حتى الآن بشأن مستقبل سوريا ونظامها والعلاقات مع شعبها الذي يقيم نحو ربعه على الاراضي التركية.

كانت أنقرة بأن نوايا روسيا الفعلية هي إخراج تركيا من المسألة السورية مع الاعتراف فقط بمصالحها الامنية الحدودية وحقها في مواجهة الخطر الكردي، لكن تطور العلاقات الثنائية الاقتصادية والتجارية وحتى العسكرية، جعلت الكرملين يدرك ان تركيا رصيد لا يقدر بثمن، وإختراق لا غنى عنه للجبهة الغربية المعادية لروسيا.. يفوق بكثير أهمية الدفاع عن النظام السوري المتهالك وغير المرغوب من قبل الروس.

المفاضلة الروسية بين سوريا وبين تركيا تصب بلا أدنى شك في مصلحة الاخيرة، لكنها لا تكفي لتفسير إسرار ذلك "الحلف"، وما إذا كان المنافسة تدور حول الحصة الاكبر من سوريا، او حول الرغبة في تقاسم النفوذ وتوزيع الادوار بين موسكو وأنقرة، كما هو شائع منذ ثلاث سنوات من دون نجاح يذكر. الاشتباك الحالي يهز الثقة، لكنه لا يعني بالضرورة أن بإمكان أي من البلدين الاستغناء عن الآخر في إدارة الازمة السورية، التي لا تنفك تنتج المزيد من الغرائب والعجائب، وتستهلك الحلفاء والاعداء، ولا تخضع لأي منطق عسكري أو سياسي.

وليس غريباً في هذا السياق ان تخرج إيران من هذا الحساب السوري المعقد، وتصبح مجرد محارب مرّ يوماً من هناك، من دون أن يترك أي أثر يذكر، سوى ذاك الذي تلاحقه الطائرات الحربية الاسرائيلية في محيط دمشق.