من يُنقذ المهرج ترامب؟

مهند الحاج علي
الجمعة   2019/06/21
الحرب والعقوبات وجهان لعملة واحدة، قال أحد مستشاري الرئيس الإيراني حسن روحاني. وتابع أن على الرئيس الأميركي دونالد ترامب تخفيف العقوبات، لو أراد فعلاً تجنب الحرب. من الواضح أن الإيرانيين ليس بإمكانهم التراجع عن العملية الانتحارية التي ينفذونها، لا لأن طهران تملك عناصر قوة خارقة تنفث فيها روح المواجهة والتحدي، بل لأن الذوبان بصمت، مالياً واقتصادياً، مخاطرة أكبر من الحرب. ايران تبيع اقل من نصف مليون برميل يومياً بعدما تجاوزت الثلاثة ملايين في "شهر العسل" الذي تلا الاتفاق النووي. تخسر طهران ما يقارب المليار دولار شهرياً، فكيف تُدير موازنة سنوية بمثل هذا الثقب الهائل؟

ايران تعي حجم المأزق المالي، وتعتبره وجودياً، لذا فإن الانزلاق نحو الحرب أحد الخيارات المطروحة. في المقابل، هناك رئيس أميركي يتضح تدريجياً عدم جديته. كم من مرة هدد ايران باستهدافها وأطلق أكثر من تهديد باتجاهها. بداية، هدد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ايران برد عليها لو استهدفت الولايات المتحدة او حلفاءها، مباشرة او عبر الوكلاء المنتشرين في المنطقة. منذ عشرين الشهر الماضي، توجه ايران ضربة بمعدل كل أسبوع. كانت الضربات السابقة غير مباشرة، لكن استهداف الطائرة الأميركية مباشر وموثّق بالفيديو. وترامب توعد ايران ايضاً بالقول في تغريدة انها ارتكبت خطأ فادحاً بما يوحي أن هناك رداً قريباً جداً، ثم تراجع تماماً مثل بومبيو. هل هذه قيادة او تهريج؟

هل يستمع ترامب الى مستشاريه، ام يخوض غمار السياسة وكأنها صفقة أعمال لا عواقب لها خارج الأُطر المحددة؟ واضح ان الرجل لم يخطط وفريقه لما بعد فرض العقوبات، هو يجلس على الطاولة وأمامه سيناريوهان لا ثالث لهما: انهيار ايران تحت وطأة العقوبات، او استسلامها وإعادة التفاوض على الملف النووي. وهنا لديه وحدة قياس وحيدة لكل شيء. سترضخ ايران كما رضخت كندا والمكسيك في اتفاق التجارة الحرة، وكما تتراجع الصين في المحادثات التجارية. التجارة مثل العقوبات المدمرة مثل الحرب. الرئيس الأميركي متيقن من ان السياسة ناجحة ولم يكن في حسبانه أن ايران ستسلك هذا الطريق وإلا لما تصرف على هذا النحو.

حتى داخلياً، تبدو واشنطن منقسمة أكثر من أي وقت مضى. في رواية قرار الضربة العسكرية التي تراجع عنها ترامب، أن هناك قادة عسكريين عارضوها. كما تعرض الرئيس الأميركي لانتقادات على سلوكه طريق الحرب من دون استشارة الكونغرس. الديموقراطيون ليسوا على الصفحة ذاتها. والطرفان اليوم يُقاربان كل الملفات حتى الخارجية الحساسة منها، من بوابة التنافس قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ترامب بعد تردده بالأمس اثبت ان الحرب فعلاً ليست على الطاولة بالنسبة له. بل بعث بهذا السلوك والتردد رسالة الى ايران مفادها أن واشنطن ستتحمل التصعيد غير المباشر ولن تتجاوز في ردها الضجيج الإعلامي والدبلوماسي. باب المفاوضات الإيرانية الأميركية موصد. لكن التصعيد فتح ابواباً اخرى امام ايران. الاتحاد الاوروبي كشف عن اجتماع في فيينا في 28 الشهر الجاري من اجل إنقاذ الاتفاق النووي. واللافت في الاجتماع ان المشاركين فيه هم مسؤولون كبار من ايران وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا، أي ان هناك مروحة من الإجراءات التي يُمكن اتخاذها لتجنب الانزلاق نحو الحرب. المقبول ايرانياً هو ان تشتري هذه الدول ومعها تركيا ما يكفي من النفط لإخراج طهران من مأزقها المالي، لكن من دون إعادتها لما قبل الانسحاب الأميركي من الاتفاق، وهو صعب إن لم يكن مستحيلاً.

في نهاية المطاف، نحن أمام مفارقة. خصوم الأمس في السياسة، الأوروبيون وربما الصين وروسيا، سيُنقذون ترامب من مأزق لا يعرف كيفية الخروج منه.