اللاجئون أولاً

مهند الحاج علي
الجمعة   2019/02/15
في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، أدلى أحد رموز التيار العوني بتصريح أثار القليل من الجدل حينها. اليوم "العودة طوعية للنازحين السوريين"، حسب قوله، لكنها "ستكون الزامية" في المستقبل. والسبب أن هناك اليوم "خطاً مقاوماً وومانعاً" سيطلب من السوريين العودة.

لم ير هذا الواقع النور حينها. ذلك أن هذا الخط "المقاوم" و"الممانع" لم يتبلور في حكومة جديدة حتى وقت قريب. من اللافت أن على رأس كل المتغيرات في الحكومة الجديدة، وزارة واحدة لافتة للنظر، اسمها شؤون النازحين، انتقلت الى الضفة الأخرى من الانقسام السياسي. حتى الآن، من غير الواضح كيف حصل هذا الانتقال أو التنازل، وبأي ثمن.

التركيز الأساس اليوم في التصريحات الحكومية هو على اللاجئين السوريين فحسب، وليس على أي من التحديات الأخرى الأكثر إلحاحاً مثل الإصلاحات الإقتصادية للحصول على وعود مؤتمر "سيدر"، لتحسين الوضع المالي، وغير ذلك.

وبات مدخل أي عمل للحكومة أو أي نشاط مطلوب هو عودة اللاجئين. هي حُجة الحجج اليوم، تماماً مثل تحرير فلسطين عند الممانعين. عضو تكتل "​لبنان​ القوي" ​ماريو عون​ أعلن بصريح العبارة على التلفزيون بأنه "لا يمكن حل أي موضوع إقتصادي في لبنان ونحن لدينا عبء ​النازحين السوريين​". طالما بقي اللاجئون السوريون، لا يُمكن حتى البحث بأي موضوع اقتصادي. وهذا الكلام ينطوي على بعدين.

أولاً، تحول الفريق الأول في لبنان إلى أمثال المهدويين الذين احترفوا انتظار المُنقذ. لن يحصل شيء في لبنان بانتظار عودة اللاجئين إلى سوريا. وهذه الحُجة تنفي أي عمل، وتشي بنية مسبقة بعدم تحقيق أي انجاز.

ثانياً، هناك تحريض مُبطن في هذا الكلام، إذ يعني أن اللاجئين السوريين في لبنان يتحملون مسؤولية التباطؤ الاقتصادي في لبنان، وربما، من يعلم، الدين العام والكهرباء والتعليم والتلوث وكل شيء.

بما أن "عدم الإنجاز" سمة ملازمة للحكومات اللبنانية، فإن الشطر الثاني مخيف أكثر، سيما أن الوزارة المعنية بالملف باتت في أيدي فريق يسعى إلى التخلص من النازحين بأي ثمن، حتى في ظل عدم توافر ظروف إنسانية للعودة. وما يزيد القلق أن الوزير السابق معين المرعبي أكد مقتل لاجئين سوريين تحت التغذيب بعد عودتهم. وأيضاً يُحضر الوزير الجديد صالح الغريب، وفقاً للتسريبات الإعلامية، لزيارة دمشق قريباً، ويربط علناً أي حل محتمل لقضية اللاجئين باتفاق أو تفاهم معها.

وهنا بيت القصيد. هناك انسجام اليوم بين وزارة النازحين من جهة، وبين الخارجية من جهة ثانية حيال العلاقة مع سوريا في هذا الملف. بعد لقاء مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، خرج  وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل بتصريح يتبنى فيه كل جوانب السياسة الرسمية السورية من تشكيل لجنة وضع الدستور إلى "إنهاء الأوضاع الشاذة في سوريا وكل الجيوب المتبقية للجماعات الإرهابية". المعركة واحدة بوجه الإرهاب والتطرف، وفقاً للتصريح ذاته. وسوريا آمنة، وبالتالي فإن إبقاء النازحين السوريين "تفكيك لسوريا ولبنان وانهاء لدور لبنان الريادي ولرسالته المعروفة".

من الواضح أن سوريا ليست بيئة آمنة للنازحين والمعارضين، ولا علاقة لذلك بالحرب أو احتمالاتها. بيد أن لدى سوريا برنامجاً مُنظّماً لإبادة المعارضين في عمليات قتل وتعذيب ممنهج شملت الآلاف خلال السنتين الماضيتين. لذا فإن أي عودة للسوريين غير مضمونة النتائج، وتضعهم تحت رحمة موت وتعذيب هربوا منه باتجاه لبنان قبل سنوات طويلة. على هذا المجال تحديداً، أي الخاصرة الأضعف، يتركز اهتمام الحكومة خلال المرحلة المقبلة.