حكومة جبران باسيل

مهند الحاج علي
الجمعة   2019/02/01
تسعة شهور عجاف قبل ولادة الحكومة اللبنانية في معجزة لم نفهمها إلى الآن. كيف؟ ولماذا؟ وعلى أي أساس؟ أسئلة لا أجوبة عنها، بل تساؤلات.

على هامش النبأ السعيد، هناك ملاحظات على ظروف الولادة وتأخيرها، وخيوط ارتباطها بالمعركة الرئاسية المقبلة، داخلياً واقليمياً:

بداية، رغم نشوة الانتصار عند الوزير جبران باسيل، عززت "القوات اللبنانية" موقعها الشعبي حيال "التيار"، بالقبول بالمقايضة معه.

في المشهد العام، أظهرت الطبقة السياسية اللبنانية مستوى خطيراً من عدم الإكتراث باقتصاد البلاد وماليته، والأهم بمصائر الناس الذين يدعي الساسة تمثيلهم. بالانطباع العام، بدا وزير الخارجية اللبناني، وكأنه يتحمّل بإصراره على الحصص، قسطاً مهماً من المسؤولية عن التأخير والترهل المالي والاقتصادي المرتبط به.

والحقيقة أن هذه الحكومة ليست عرشاً ملكياً لتستحق مثل هذا العناد والتأخير والعراك السياسي. وليس بالإمكان ترجمة تعيين وزير هنا أو هناك، أو حتى الاحتفاظ بثلث معطل أو ضامن، إلى انتصار عظيم في السياسة، وتبديل الوقائع على الأرض في بلد يملك أحد أحزابه قوة عسكرية اقليمية. وهذا ما يعيه جيداً خصوم "التيار الوطني الحر". ذلك أن "القوات اللبنانية"، رغم هزيمتها، ظهرت للرأي العام بأنها قابلت إصرار جبران باسيل على الثلث المعطل، بالتضحية بمقعد وزاري، ومن ثم بحقيبة ذات معنى (الثقافة) من أجل تشكيل الحكومة "بأسرع وقت". وبحسب مسار الأمور والانتخابات الماضية، يبدو أن "القوات" أقرب إلى جذب أنصار التيار العوني من جبران نفسه، عند استحقاق معركة الخلافة، هذا إن لم يبرز طرف ثالث من العائلة المالكة أو من خارجها. يُضاف الى ذلك أن لبنان سيدخل مرحلة إصلاحات مؤلمة ستنعكس سلباً على صاحب الحُصة الأكبر في الحكومة، لا الشركاء الصغار فيها. وهذا ليس في مصلحة باسيل.

ربما هذا الواقع يقودنا الى الإطار الثاني لعرقلة التشكيل، أي الدور أو الأدوار الإقليمية الخفية. من المهم هنا محاولة درس سياق الأحداث، وينفع تحديداً طرح السؤال الآتي: هل بإمكاننا الربط بين أحداث إقليمية وتشكيل الحكومة اللبنانية وأين باسيل منها؟

خلال فترة تشكيل الحكومة، شهدنا تهديدات أميركية نقلها مبعوثون عن الدور المرتقب لـ"حزب الله" في الحكومة، واحتمال فرض عقوبات على مؤسسات رسمية لبنانية لو حصل ذلك. لكن هناك تخبطاً في التصريحات بين المسؤولين الأميركيين، يعكس الأزمة الداخلية الأميركية، بين الرئيس دونالد ترامب، وبين المؤسسات الأساسية مثل وزارتي الدفاع والخارجية. باختصار، ليست هناك سياسة أميركية واضحة حيال لبنان، وبالإمكان توقع مفاجآت من العيار الثقيل، أو أقله استمرار للنهج السابق القائم على دعم الاستقرار وتعزيز مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الجيش اللبناني.

من جهة ثانية، هناك أيضاً أحاديث عن دور سوري ما في عرقلة تشكيل الحكومة، نابع من النقاش الداخلي حول التطبيع مع النظام السوري. وهو حديث غير مقنع لأن أي حكومة مقبلة ستتولى هذا التطبيع بغض النظر عن توزير سني موالٍ للنظام فيها أو دونه.

وأخيراً، يبقى من هذه القائمة، الدور الإيراني. ذلك أن إيران تخوض مفاوضات ضارية، وتمارس خلالها ضغوطاً على القوة الأكثر حرصاً على استقرار لبنان، وهي أوروبا التي تخشى موجة جديدة من اللاجئين. في المرتين اللتين شهدتا انفراجة في الأزمة الحكومية، كانت هناك أنباء مرتبطة بالإجراءات الأوروبية لمساعدة إيران في الالتفاف، ولو جزئياً، على العقوبات الأميركية القاسية ضدها. في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، سرّب مسؤولون أوروبيون تقارير للاعلام عن تشكيل ألمانيا وفرنسا "الآلية الخاصة" للسماح لإيران بإبرام صفقات بعيداً عن الهيمنة الأميركية على نظام التحويلات المالية في العالم. لكنها لم ترَ النور، وفي الوقت ذاته، انحسرت الانفراجة اللبنانية سريعاً نتيجة الخلاف على اسم الوزير السني داخل اللقاء التشاوري. صباح اليوم الذي أُعلنت في نهايته الحكومة اللبنانية، نشرت وكالة "رويترز" رسمياً خبر انشاء الآلية الخاصة. هاتان مصادفتان يجب الإلتفات اليهما، رغم أن الطموح الرئاسي لوزير الخارجية، والذي تبلور في الإصرار على حجم كتلته الحكومية وحيازتها على الثلث، بدا العقبة الأكبر في كل مراحل التشكيل. وربما ساعد في ذلك الدور، عن قصد أو دونه، في إخفاء أي تدخل خارجي.

واللافت أيضاً أن هناك موجة تصريحات، بعد ساعات من إعلان التشكيل، عن الزيارة المرتقبة لباسيل إلى دمشق، وإعادة الدفء إلى العلاقات اللبنانية-السورية، في مقابل عدم وضوح في سياسة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري والفريق المتحالف معه (في الخطوط العريضة على الأقل).

حقيقة أن باسيل الطامح للرئاسة والباحث عن حلفاء يتبنون ترشيحه، ذاهب إلى دمشق، قد تعني أن الرجل قد يعود إلى بيروت في حلّة جديدة. الطموح الرئاسي والأدوار الاقليمية هما عنوانان ساطعان للمرحلة المقبلة. لا تعقدوا آمالاً كبيرة، لأن صاحب مثل هذا "الطموح" يُقايض احتمالات المستقبل بمكاسب اليوم.