المسألة الكردية في مطبخ ترامب

عائشة كربات
الخميس   2019/11/21
© Getty
لنواجه الأمر؛ ليست هناك مفاجأة في ذلك، لكن هناك حقيقة جديدة في تركيا: جميع القضايا والمشاكل والأمور الكبيرة تقريباً مرتبطة بسوريا. لم تكن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للولايات المتحدة الأسبوع الماضي استثناءً من ذلك.
كان البند الأكثر أهمية في جدول الأعمال هو شراء تركيا لمنظومة الدفاع الجوي الروسي "إس-400"، وهي خطوة اعترضت عليها بشدة واشنطن وروجت لفكرة فرض عقوبات على تركيا، وفتحت المجال للنقاش حول عضوية تركيا في "الناتو". موضوع مهم للغاية. لأن هذه العضوية على الرغم من كل شيء، هي الدعامة الرئيسية لموقف تركيا في العالم، كعضو في العالم الغربي.
لكن السبب الرئيسي وراء هذه المناقشات والعقوبات المحتملة هو في الواقع سوريا؛ كان على أنقرة أن تتعاون مع موسكو لمنع المزيد من الفوضى على حدودها وضمان أمنها القومي. في المقابل اشترت صواريخ "إس-400".
قبل زيارة الولايات المتحدة، اعتاد أردوغان أن يقول إن صفقة "إس-400" منتهية، لكنه كان بحاجة لمباركة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للقيام بأحدث توغل عسكري شرق سوريا، وبعد زيارته بدأ يقول إن مشكلة المنظومة الروسية "سيتم حلها من خلال الحوار".
يبدو أنه اكتسب وقتاً في القضية على الأقل حتى قمة الناتو في كانون الأول/ديسمبر. ولكن ليس هناك شك في أن "الساعة تدق" لتركيا لاتخاذ قرارات مهمة وتاريخية للغاية.
الموضوع الآخر المهم للزيارة كان حول سورياً أيضاً. حاولت أنقرة إقناع ترامب بأن قائد وحدات حماية الشعب الكردية، الذي أطلق عليه ترامب اسم الجنرال ماسلوم ودعاه إلى البيت الأبيض، ليس سوى "إرهابي". عرض أردوغان مقطعين مصورين لمحاوريه الأميركيين، مدعيا أن وحدات حماية الشعب هي فرع من حزب العمال الكردستاني ومسؤولة عن العديد من الهجمات الإرهابية في تركيا. بالطبع، الولايات المتحدة تدرك هذا، لكنها لا تريد أن تقتنع.
كانت ذرائعهم السابقة للتعاون مع وحدات حماية الشعب هي الكفاح ضد "داعش"، ولكن الآن الأمر يتعلق بإبقاء النظام السوري بعيداً عن حقول النفط. هذا هو السبب في نشر الجنود الأميركيين مع عناصر الوحدات في حقول النفط. لم تغيّر زيارة أردوغان الكثير من وجهة النظر الأميركية حول هذه المسألة، ويبدو أن أنقرة عاجلاً أم آجلاً عليها أن تبت في هذه المسألة أيضاً.
ومع ذلك، فإن الزيارة جعلت نية ترامب حول المنطقة أكثر وضوحاً.
حتى قبل انتخابه، زعم ترامب أنه يستطيع ضمان "صفقة سلام" بين الأتراك والأكراد، لكن تلك كانت مجرد خطب أخرى فارغة. أما تصريحاته الأخيرة، خاصة تلك التي صدرت خلال التدخل العسكري الأخير لتركيا في سوريا، فتُظهر أنه يطور هذه الفكرة في رأسه، والذي غالباً هو ممتلئ بسبب إجراءات الاتهام التي يحضرها مجلس النواب الأميركي ضده.
ترامب ليس مؤرخاً أو عالماً اجتماعياً وبالتالي فهو غير قادر على معرفة وفهم المسألة الكردية. حتى عندما اشتكى منهم بقوله أن الأكراد لم يساعدوا الأميركيين خلال معركة النورماندي عام 1944. لكنه يطبق سياسة العصا والجزرة تجاه الأكراد السوريين؛ جزئياً تركهم للمبادرة التركية، من جهة ثانية يساعدهم جزئياً على الحصول على عائدات النفط السورية. يبدو أن هذه السياسة مجزية، الوحدات والعمال الكردستاني أوقفوا كلامهم القاسي ضد الولايات المتحدة.
كانت إحدى نتائج الحرب السورية تدويل المشكلة الكردية. كان الأمر دائماً كذلك ولكن فقط على المستوى الإقليمي. الآن أصبحت المسألة الكردية المتمثلة بتركيا وسوريا والعراق وإيران متداخلة ومفتوحة للتدخل ليس فقط من قِبل القوى الإقليمية ولكن العالمية أيضاً.
لذلك لن يكون من المفاجئ الاعتقاد بأن ترامب، الذي هو من جهة عدو إيران، قد يعتقد أن الأكراد الإيرانيين يمكن أن يكونوا حلفاءه الطبيعيين. عندما يتعلق الأمر بالأكراد العراقيين، فإنهم يتعاونون بالفعل مع الولايات المتحدة.
عندما نفكر في كل هذه التطورات في المنطقة، فليس من غير المنطقي الاعتقاد بأن الوجبة الكردية تطبخ في المطبخ الأميركي، وقد يحاول ترامب، إذا نجح في إعادة انتخابه، تقديم هذه الوجبة للجميع ابتداءً من تركيا. 
مثل هذه الخطوة قد تجبر أنقرة على اتخاذ قرارات تاريخية، ولكن إذا كانت القضية قد وصلت إلى هذه النقطة، فيتعين على تركيا أن تتذكر أنها تدفع ثمن عدم قدرتها على إيجاد طريقة لضمان الإدارة المستدامة لمسألة الأكراد. وعدم القيام بذلك، جعل القضية تُدوّل على المستوى العالمي.