رياض الترك:وهم النظام والعودة

إياد الجعفري
الأربعاء   2018/09/05

علّق كثيرون على مضمون مقابلة المعارض السوري رياض الترك، في "القدس العربي". وتعرض الرجل لحملة انتقادات واسعة، وصلت بأحدهم إلى اعتبار أن "صلاحية" الترك كسياسي، قد انتهت. فيما ركز آخرون على ما اعتبروه تجارب فاشلة، كان الترك يخرج من إحداها إلى الأخرى، ليتحمل برفقة آخرين من المعارضين السوريين، مسؤولية ما آل إليه المشهد السوري الراهن. كذلك تناول فريق واسع من المعلّقين جوانب من تجربة الترك خلال الثورة، وما قبلها، تدل، حسبما يرون، على سلطوية الرجل، وحرصه على إبقاء أكبر قدر ممكن من خيوط اللعبة السياسية المعارضة، في قبضته، على صعيد تياره، والتيارات الأخرى القريبة منه. وكانت أكبر "وصمة عار"، في نظر الكثيرين من منتقدي الترك، هي تحالفه مع الأخوان المسلمين، الذي يعود، حسب رأي الكثيرين، إلى الثمانينات، والذي تجدد بشكل علني، عام 2005، وتُوج عام 2011، في المجلس الوطني السوري المعارض.


وإذا أردنا تغطية كل جوانب الانتقاد التي نال بها منظّرون ونشطاء سياسيون، من حديث الترك الأخير، لن نستطيع الإحاطة بها كلها، من دون أن ننسى، أنه على الضفة الأخرى، لم يفقد الرجل رمزيته العالية، لدى فريق واسع من النشطاء السوريين، الذين تبرعوا للدفاع عنه، في مواجهة منتقديه، في جدالات، بدأت، ولم تنتهِ، عبر وسائل التواصل الاجتماعي.


لكن، كان من الواضح، أن أولئك الذين ناقشوا ما يتعلق بالمستقبل في حديث الترك، الأخير، كانوا قلّة. وذلك رغم الأهمية العالية لما تضمنه هذا الجانب، في حديث رجل يمتلك خبرة عتيدة في العمل السياسي المعارض بالداخل، امتدت لأكثر من نصف قرن. لذلك، فإن نقطتين بارزتين، في حديث الترك، غابت عن معظم المعلّقين عليه. نقطتان تتطلبان الوقوف عندهما مطوّلاً. ولا يجب بطبيعة الحال، تبنيهما. بل يجب إيلاؤهما، درجة عالية من الاهتمام والبحث.


فالترك، في حديثه الطويل، قدّم توصيفاً محدداً للمشهد الحالي في سوريا، وأسّس عليه رؤية مبدئية لكيفية التعامل معه. هذا التوصيف مهم جداً، لأنه يحدد كيف يجب أن يتحرك السوريون من نشطاء، في الفترة القادمة. فالترك يعتقد أن النظام السوري، اليوم، هو مجرد وهم. وأن سوريا في حالة احتلال مباشر. وأن استراتيجيات السوريين في المرحلة القادمة يجب أن تتمحور حول كيف يمكن التخلص من هذا الاحتلال؟ وليس حول كيف يمكن التخلص من النظام؟. فالنظام انتهى فعلياً. وبناء على هذا التوصيف، يقترح الترك رؤية مبدئية، بتشجيع عودة السوريين إلى الداخل، تمهيداً لنشاط مناوئ للاحتلال، من هناك، وليس في المنفى، حيث لا يمكن التأسيس لأي معادلة مستقلة عن أجندات الداعمين الإقليميين والدوليين، وتقلبات سياساتهم.


قد لا يتفق الكثيرون مع توصيف الترك. لكنه يستحق قدراً كبيراً من النقاش والبحث. فأن نقول بأن النظام السوري بات وهماً، وبأنه غير موجود، حقيقةً، فهذا يعني أن توجيه بوصلة النضال ضده، حتى لو كان ذلك يعني الاستعانة بالروسي، في سبيل كسب النقاط عليه، هو مسار خاطئ. فالنظام، حسب توصيف الترك، تحلل إلى "عصابات وهياكل" اتخذها الروس والإيرانيون واجهة لهم. وبناء على هذا التوصيف، فإن الحراك باتجاه مقارعة النظام، هو عبث، لأن النظام بات مجرد حجابٍ، يحاول من خلاله الروس والإيرانيون ألا يكون احتلالهم لسوريا، سافراً.


وهنا قد تكون الوقفة أمام مقولة أن النظام بات وهماً، تتطلب الكثير من التدقيق. لكنها تستحقه. إذ يمكن اعتبار رياض الترك، منظّراً فريداً من نوعه، خَبِر السياسة في الداخل السوري، عملياً، ولعقود طويلة. ولا يعني ذلك بطبيعة الحال، تبني ما يقوله. فالكثيرون من المنظّرين المعارضين، يناقشون اليوم سؤالاً مهماً: "ماذا نفعل في المرحلة القادمة؟ رياض الترك يقدم رؤية مبدئية لذلك. العودة إلى الداخل، والتشجيع عليها. فالعمل من الخارج أثبت أنه يعني ارتهان المعارضة لأجندات الخارج، وتعرضها للتضحية بها، في حال توافقت تلك الأجندات مع الروس والإيرانيين في سوريا.


هذه الرؤية، "العودة إلى الداخل"، تتطلب بدورها الكثير من البحث، حول الآليات التي يمكن أن تكفل ألا تكون هذه "العودة"، تعني القبول بحالة "التدجين" التي يحاول الممسكون بسوريا اليوم، إعادة تفعيلها حيال السوريين. الترك، طرح آلية مبدئية، قد تكون منفّرة للكثيرين. إذ تقوم على تسوية سياسية تسمح بعودة السوريين إلى بلدهم. لا يجوز، حسب الترك، أن تبقى سوريا فارغة من أبنائها. وبعد "العودة"، يجب التأسيس لرحلة كفاح جديدة، يكون الهدف فيها منصباً على تحرير سوريا من الاحتلال، وليس من النظام الذي بات "وهماً".


هل النظام بالفعل بات "وهماً"؟، وهل يمكن تحقيق تسوية تسمح بـ "عودة" السوريين، بما فيهم من نشطاء ومعارضين، بصورة تكفل القدرة على التحرك مستقبلاً ضد "الاحتلال" الروسي – الإيراني؟.. هذا هو السؤال الذي لم يقدم الترك له جواباً. وهو سؤال، يستحق الكثير من النقاش. وهذا النقاش يجب أن يتمحور حول طرح الترك، وليس حول ما مضى من تجربته السياسية.