الموالي إذ يبتهج بالقصف الإسرائيلي

عمر قدور
السبت   2018/09/22

 ظاهرة يتكرر حدوثها؛ أن يخرج موالو الأسد إلى شرفات منازلهم أو أسطحتها ليشاهدوا القصف الإسرائيلي على مواقع عسكرية قريبة، ولا يخلو الأمر من مظاهر فرح وابتهاج تلي القصف، وينبغي ألا نتسرع بفهمها على أنها فرح بانتهائه فبعضها على الأقل لم يُخفِ كونه ابتهاجاً بحدوث القصف. شيء من هذا يحدث برعاية من مخابرات الأسد نفسها، إذ شاهدنا صوراً لحلقات الرقص والدبكة في ساحة الأمويين "الأشهر في دمشق" إثر القصف الأمريكي على مطار الشعيرات عقاباً على استخدام الكيماوي في خان شيخون.

خروج الموالين إلى الشرفات والأسطحة لمشاهدة الصواريخ وانفجاراتها لا يتم بإيعاز من المخابرات، هو سلوك عفوي حقاً! تنافيه مع المنطق الذي يقضي باحتمائهم بالملاجئ لا يفسّره عدم وجود الأخيرة أصلاً، لأن الغريزة تتطلب في مثل هذه الحالات الالتجاء إلى أكثر الأماكن أمناً في البيت نفسه، وإبعاد الأطفال عن الشرفات والأسطحة التي تعد الأكثر خطورة.

سيطيب لموالي الأسد الأكثر حماساً تصوير هذا السلوك كنوع من التحدي للطيران المعتدي، وأهم من ذلك تفسيره كنوع من الاستعداد للتضحية من أجل الأسد، رغم أن التضحية في هذه الحالة مجانية تماماً، ومن المستبعد أن يُقدم عليها هذا العدد الضخم من المدنيين الخارجين إلى شرفاتهم وأسطحهم بلا تنسيق. التفسير الأقرب إلى السلوك الغريزي، بما أن الموالين بشر أيضاً ويتمتعون بغرائز البشر، أنهم لا يستشعرون الخطر، وعدم استشعاره في حالتهم لا يعبّر عن انعدام غريزة الحياة، الصفة التي يمكن أن يوصموا بها من قبل خصومهم لنفيهم خارج البشر، ومن طبقة الموالين العليا لاستخدامهم كأدوات في مقتلة الأسد.

هي نقطة تُسجّل لإسرائيل، لكن النزاهة تقتضي التوقف عندها، فالموالي الذي يقف متفرجاً على قصفها منشآت عسكرية قريبة منه لا يستشعر الخطر ثقةً منه بأن الصواريخ الإسرائيلية الموجّهة بدقة لا تستهدفه، واحتمالات وقوعها فوقه بالخطأ معدومة من خلال المعرفة بالغارات السابقة. هذا لا يعني غيرة إسرائيلية على المدنيين، فإذا صادف وجود منشأة عسكرية، تعتبرها خطراً على أمنها القومي، لصيقةً بمبان سكنية، لن يتوانى الطيران الإسرائيلي عن استهدافها. مواقع الغارتين الإسرائيليتين الأخيرتين تقول لنا شيئاً عن ذلك، فالمواقع المستهدفة قريبة أكثر من السابق من المواقع السكنية، ولا يُستبعد أن تلجأ طهران وتابعها لاحقاً إلى استخدام مواقع سكنية لإخفاء شحنات الأسلحة. وبالطبع لن يردع هذا السلوك الطيران الإسرائيلي، ولن تكترث تل أبيب بتصريحات لإيرانيين أو لتابعهم تزعم الغيرة على حيوات المدنيين.

بالانتقال من العتبة الغريزية إلى عتبة أعلى قد نجد تناقضاً منطقياً بين أن يكون المرء موالياً وأن يفرح بضربة من العدو موجهة إلى سلطته، بخاصة عندما يكون هذا العدو في صلب خطاب الممانعة الذي تربى عليه. ثم إن هذا التناقض يزداد مع واقع عدم قدرة الأسد على الرد وتنصّل الإيرانيين من مسؤولية الرد، ما ينبغي أن يفاقم الإحساس بالمذلة لا الابتهاج. لا يكفي في هذا السياق ردّ الفرح إلى تلك الفبركات الإعلامية عن مأزق إسرائيل، وعن أنها تنفّذ غاراتها كلما تعرض "عملاؤها من فصائل المعارضة" لخسارة جديدة. يجدر التذكير بأن الموالي أسوة ببقية البشر لا يفتقر إلى المحاكمة العقلية، بل لا يندر أن يعمل ذهنه وفق منطق متماسك تماماً.

في حالتنا يبتهج الموالي بالغارة الإسرائيلية على نحو يكمل عدم استشعاره الخطر على حياته مباشرة، فالغارات الإسرائيلية المتكررة ذات هدف واضح لا تحيد عنه، وهو ضرب بعض أنواع الأسلحة. المسؤولون الإسرائيليون صرحوا مراراً وتكراراً بأنهم ليسوا ضد بقاء الأسد في السلطة، وأن عدوهم في سوريا هو الإيراني وامتداده في لبنان. وكما أن الصواريخ الإسرائيلية، الموجهة بدقة نحو أهداف محددة، تنال ثقة الجمهور الموالي فإن تصريحات الإسرائيليين في موضوع ثقة مماثل.

بل يجوز لنا، خارج خطاب العداء الإعلامي، التحدث عن ثقة متبادلة بين الجانبين؛ ثقة إسرائيل بأن العداء الموالي اللفظي لها لا يعدو كونه كناية عن التمسك بسلطة تأخذ مشروعيتها من اختراع العدو، وثقة الموالي بالموافقة الإسرائيلية على خطاب الممانعة بشرط حرية الطيران في قصف ما تشاء على الأرض. الركيزة الأساسية لهذه الثقة هو الفهم المتبادل العميق، فتل أبيب تدرك أن إسرائيلَ الأسدِ ومواليه الحقيقيين هي أولئك السوريون المعارضون جهراً أو سراً، والشبيحة والموالون لم يتصرفوا في عداء على أنه حرب وجود "وفق الخطاب القديم المزعوم تجاه إسرائيل" إلا تجاه سوريين آخرين، قاموا بإبادتهم وتهجيرهم على نحو لم تفعله العصابات الصهيونية عشية تأسيس إسرائيل.

الثقة المتبادلة والتفاهم المضمر لا يعنيان وصم الموالي بتهم من عدته، مثل العمالة، فهو أيضاً في قرارة نفسه يتمنى أن تُمنى إسرائيل بهزيمة ما، لكن حنكته تقتضي وقوع الهزيمة المرجوة بأيد أخرى. غداة حرب تموز 2006 خرج بشار الأسد ليعلن نصره في خطاب وصف فيه القادة العرب الآخرين بأنصاف الرجال، ومن المعلوم أن أباه رعى تعاظم ميليشيا حزب الله لتكون الأداة الأقل كلفة ضمن مناوراته السياسية مع إسرائيل، من دون أدنى اكتراث بالثمن الذي يدفعه عموم اللبنانيين بسبب هذه المعادلة. هذا هو نموذج الهزيمة الذي يتمناه الموالي، حتى إذا كانت "نصراً إلهياً" باهظ الثمن، بحيث لا تكلفه ثمناً مباشراً وينسب لنفسه فضل المشاركة في النصر المزعوم أو صناعته.

استكمالاً لن يجد الموالي حرجاً في الابتهاج بالقصف الإسرائيلي أو الأمريكي، بزعم فشله في تحقيق أهدافه، بينما يعتبر فرح المعارضين بالقصف ذاته نوعاً من العمالة. أيضاً لا يخلو هذا التناقض الظاهري من منطق، فالموالي يعلم أن أسلحة سلطته وجيشها مُعدّان في المقام الأول والأخير لقمع ذلك المعارض، وهو تالياً يعرف أن الأخير يفرح لهذا السبب لا غير، ومن المنطقي تماماً أن يضنّ عليه بلحظة الفرح الصغيرة تلك.

الحق أن فرح الموالي بالقصف يصمد أمام المنطق أكثر مما نتخيل، على العكس من الانطباع الأول، ومن السذاجة محاولة دحضه بالمنطق، لأنه مبني جيداً كي لا ينهار إلا بانهيار سلطته.