اللاجئون السوريون بين موسكو وبيروت

بسام مقداد
الخميس   2018/08/16

يتفرد لبنان بكونه الدولة الوحيدة ، بين الدول المضيفة للجوء السوري ، التي يغادرها لاجئون سوريون ، بشكل شبه يومي . واحصى مركز استقبال اللاجئين وتوزيعهم في 14 من الجاري ، عودة حوالي 7000 شخص من لبنان منذ 18 الشهر المنصرم ، في حين لم يعد من الأردن أكثر من 318 شخصاً.

ويجد هذا الأمر ارتياحاً كبيراً لدى الجانب الروسي ، الذي وجد في السلطة اللبنانية ، بجميع أطرافها ، الحليف الأشد حماساً لمبادرته بشأن عودة المهجرين السوريين . وتدرك موسكو بالتأكيد ، بوصفها "المختار" الجديد للشرق الأوسط "الملم" بكل شؤونه ، الأسباب ، التي تقف وراء ارتياح كل فريق من أفرقاء السلطة اللبنانية لمبادرتها . فهي تشاركت مع "حزب الله" ،  الطرف المهيمن في هذه السلطة ، في نشوء هذه التهجير وفي استثماره في جميع مراحله كل وفق مصالحه . وإذا كانت السلطة اللبنانية ، بكل أطرافها ، قد وظفت هذا التهجير في جمع أموال المساعدات ، التي شكلت مورداً إضافياً لتمويل فساد هذه السلطة ، فإن روسيا ذهبت في توظيف هذا التهجير في أغراض جيوبوليتيكية واسعة .

كان التهجير بالنسبة لروسيا هدفاً بذاته ، كما كان لإيران وميليشياتها ، وإن اختلفت وجهة استخدام هذا التهجير وتوظيفه . فقد جهدت روسيا في توسيع موجات التهجير واستخدامها في سعيها لزعزعة الإتحاد الأوروبي ، وتعزيز مواقع أصدقائها من القوميين الأوروبيين والفاشيين . ولم تبخل روسيا في استخدام أقذع التعابير في وصف موجات الهجرة السورية إلى أوروبا ، إذ كان المهجرون السوريون في ذلك الحين ، وحسب الخطاب الروسي الموجه إلى أوروبا ، "قبائل الهون" و"البرابرة الجدد" ، الذين يغزون أوروبا ويسعون إلى تدميرها .

لم يكن بوسع أوروبا ودول الجوار السوري ، ولأسباب متباينة كلياً لا تمت لبعضها بصلة ، أن تنأى بنفسها عن التهجير السوري . لكن روسيا ، التي دمرت مدن السوريين ومدارسهم ومشافيهم ، أوصدت أبوابها في وجه المهجرين السوريين ، وجعلت من غير السهل عليهم بلوغ حواضرها والإقامة فيها ، وأسبغت على سلوكها هذا طابعاً قانونياً شرعياً . فقد أعلنت جمعية "المساندة المدنية " الروسية غير الرسمية ، التي تهتم بالدفاع عن قضايا المهجرين في روسيا في 6 آب/أغسطس الجاري ، أن المحكمة الروسية في موسكو رفضت طلب محامي الجمعية باستئناف حكم صادر بطرد أخوين سوريين يتيمين كانا قد تقدما بطلب لجوء في روسيا . ووجهت المحكمة إلى الأخوين السوريين تهمة خرق قوانين الإقامة في روسيا ، وحكمت عليهما بدفع غرامة قدرها خمسة آلاف روبل ، مع ترحيلهما القسري إلى سوريا . ونقلت الجمعية عن محامي الشقيقين ، أن قاضي المحكمة الروسية ، قال في ما يشبه الإعتذار عن رفض طلب الشقيقين ، بأنهم ، أي القضاة ، تلقوا في مطلع تموز/يوليو الماضي تعليمات من المحكمة الروسية العليا بترحيل الجميع ، سواء كانوا من سوريا أو من أوكرانيا الشرقية . والأخوان ، اللذان بلغت قضيتهما المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ، موجودان الآن في مركز مؤقت لإقامة المواطنين الأجانب ، بانتظار ترحيلهما خارج الأراضي الروسية .

في المرحلة الجديدة ، التي بلغتها المقتلة السورية ، تبدلت وجهة الإستخدام الروسي لقضية المهجرين الروس ، وكفّ هؤلاء أن يكونوا برابرة ومن قبائل الهون ، وعادوا مهجرين ينبغي إعادتهم إلى وطنهم عبر المبادرة الروسية الجديدة . ويبدو أن هذه المبادرة الجديدة بشأن المهجرين السوريين قد تبلورت بداياتها الأولى في الوثيقة ، التي وضعتها السفارة الروسية في بيروت بشأن هذه القضية . فقد نقلت صحيفة "همشري" الإيرانية في 21 تموز/يوليو المنصرم ، في مقالة ترجمت إلى الروسية ، أن السفير الروسي في بيروت ألكسندر زاسيبكين ، وبهدف مواجهة ما يسمى "عمليات تبادل السكان" و "التناقضات الطائفية" في سوريا ،  أجرى استشارات سرية مع عدد من الإختصاصيين السوريين حول خلق الآليات المناسبة ، التي من شأنها تأمين وتنظيم الحفاظ على البنية الإثنية والقبلية في سوريا . وتقول الصحيفة أن الدبلوماسي الروسي قام في 17 كانون الأول/ديسمبر العام 2017 بتسليم "خبير في شؤون المهجرين السوريين" ، لم تذكر الصحيفة هويته، وثيقة سرية و" إرشادات في مساعدة البلدان المضيفة للمهجرين ، تركيا والأردن ولبنان " .

تتمحور الإقتراحات ، التي تضمنتها الوثيقة وعددتها الصحيفة ، حول توفير الشروط  والضمانات الضرورية للعودة إلى "المناطق الآمنة والمستقرة في سوريا في ظل الإلتزام الصارم بالقانون الدولي" . ومن اللافت أن الوثيقة اشترطت لمثل هذه العودة توفر ضمانات من قبل المعارضة المناهضة للنظام ، والتي تقبل الإنخراط في العملية السلمية ، من دون أن تشترط مثل هذه الضمانات من قبل النظام نفسه. وتقول الوثيقة ، أنه ينبغي الوقوف بوجه أي ترحيل "قسري" للمهجرين في ظل غياب الضمانات المذكورة من قبل المعارضة .

وتقول الوثيقة ، حسب الصحيفة، أنه من أجل توفير الشروط الضرورية لتنفيذ الإقتراحات المذكورة ، لا بد من اتخاذ عدد من الخطوات ، مثل إقرار خطة للعودة على مراحل ، تستند إلى المقاربات ، التي اعتمدت في إقرار مناطق "خفض التصعيد " ، وبضمانة من روسيا وبالتعاون مع الأمم المتحدة . كما تقترح الوثيقة استثناء أي تأثير للصراعات السياسية الداخلية في لبنان على عملية العودة . كما تقترح الوثيقة أن تصبح عملية العودة جزءاً من البرامج ، التي أقرت في لقاءات أستانة وسوتشي ، وأن يتم ضم لبنان إلى مفاوضات أستانة كبلد مراقب .

ومن بين الخطوات الأخرى ، التي تقترحها الوثيقة ، خطوات تتطابق كلياً مع التدابير ، التي تتضمنها الخطة الروسية الأخيرة لعودة المهجرين ، مثل اقتراح إنشاء آليات للتعاون الإقليمي يشارك فيها كل من روسيا وتركيا والأردن ولبنان ، واقتراح إنشاء مناطق إقامة مؤقتة للمهجرين في المناطق المحاذية للحدود.

بغض النظر عن دقة ما نقلته الصحيفة الإيرانية ، ومدى مطابقته للواقع ، إلا أن الإندفاعة اللبنانية في التهليل للخطة الروسية لإعادة المهجرين السوريين ، على الرغم مما تواجهه من تحفظ وتشكيك من الغرب وبلدان الجوار لأخرى ، تجعل من الممكن التصديق ، أن روسيا قد اختارت بالفعل لبنان لبلورة النسخة الأولية لخطتها الجديدة في الإستثمار في التهجير السوري .