رسالة من أميركا:هزيمة اليمين

لوري كينغ
الأربعاء   2018/08/15
الآلاف واجهوا مظاهرة لـ"توحيد اليمين" في واشنطن (Getty)
من الصعب تحديد اللحظة الأكثر فظاعة في رئاسة دونالد ترامب حتى الآن، هناك العديد من الاحتمالات للاختيار من بينها، لكن من المؤكد أن 12 آب/أغسطس 2017 يجب أن يصنف من الأسوأ حتى اليوم. بعد يوم من المعارك الضارية في الشوارع بين المتعصبين البيض من اليمين المتطرف والمتظاهرين التقدميين في شوارع شارلوتسفيل، بولاية فرجينيا، قُتلت هيذر هاير، وهي امرأة شابة صدمها أحد النازيين الجدد بسيارته بسرعة كبيرة وسط حشد من المتظاهرين.
الليلة السابقة كانت قد شهدت صوراً مروعة لمئات من الرجال البيض، وهم يرتدون قمصانا بيضاء ويحملون مشاعل ويسيرون في حرم جامعة فرجينيا وهم يصرخون بانسجام "لن تحلوا محلّنا!" و "لن يحّل اليهود محّلنا". كانت الصور النازية والكونفدرالية لمسيرة نهاية الأسبوع، تحت عنوان "توحيد اليمين"، محاولة واسعة النطاق وسافرة للبناء على- وتشريع الخطابات العنصرية البيضاء التي أصبحت مكشوفة بشكل متزايد خلال حملة الرئيس دونالد ترامب الرئاسية. في اليوم التالي لقتل الشابة، رفض ترامب إدانة منظمي المظاهرة، وذكر أنه كان هناك "أناس طيبون من جميع الجهات"، بينما اتهم المتظاهرين المضادين بالتحضير للعنف.
كان الهدف المعلن من التجمع هو الدفاع عن حقوق البيض. وكان التأثير الفعلي هو تخويف الأشخاص الملونين واليهود والمسلمين والمثليين والمثليات والمتحولين جنسياً وأي شخص يحمل وجهات نظر تقدمية بشأن حقوق الإنسان والمساواة. بعد عام واحد، لا يزال الجميع خائفين، لكن اليمين الأبيض لم يعد موحداً.
أراد أحد منظمي مسيرة عام 2017 جايسون كيسلر، تنظيم مسيرة أخرى هذا العام لـ"توحيد اليمين" في المكان نفسه. رفضت مدينة شارلوتسفيل بحكمة. لذلك، تقدم السيد كيسلر بطلب للحصول على تصريح، وحصل عليه، لإقامة المسيرة يوم الأحد الماضي في واشنطن العاصمة في ساحة لافاييت، وهي حديقة تقع على الجانب الآخر من البيت الأبيض، وتشكل نقطة تجمع تقليدية للاحتجاجات من جميع الأنواع. وتوقع كيسلر أن يحضر 400 شخص، وبدأ قسم شرطة مقاطعة كولومبيا، وكذلك شرطة المتنزهات القومية الأميركية، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، والخدمة السرية التخطيط والتنسيق لضمان ألا تتكرر أعمال العنف التي حصلت في مسيرة العام الماضي في واشنطن العاصمة.
في هذه الأثناء، بدأ تحالف كبير واسع النطاق من منظمات حقوق الإنسان والمنظمات التقدمية في تنظيم احتجاجات مضادة بمجرد ظهور أخبار طلب تصريح كيسلر في أيار/مايو. وسارت ثلاث مظاهرات الأحد، اثنتان بالقرب من حديقة لافاييت، وأخرى بدأت على بعد حوالي نصف كيلومتر من ساحة الحرية، وبلغت ذروتها في مسيرة إلى ساحة لافاييت في وقت متأخر من بعد الظهر.
بمجرد أن علمت أن مجموعة "توحد اليمين" قد حملت رسالة الكراهية والانقسام إلى واشنطن، قررت الانضمام إلى الاحتجاجات. لم يرغب العديد من الأصدقاء في المجيء معي، وذلك خوفاً منهم من أن يستعيد المتطرفون البيض عنف شارلوتسفيل في قلب واشنطن العاصمة. صباح الأحد، انطلقت مع صديقة وزميلة من جامعة "جورج تاون". وبينما كنا ننتقل عبر المدينة، كانت شاحنات الشرطة متأهبة وكان الكثيرون من الناس يتدفقون نحو الساحة ويحملون اللافتات. رأت زميلتي بالفعل أن السير من ساحة الحرية إلى ساحة لافاييت كان محفوفاً بالمخاطر، لذا تركت المسيرة مبكراً. وقررت أن أبقى وأذهب لمجابهة متظاهري "توحيد باليمين"، الذين كان من المتوقع وصولهم إلى ساحة لافاييت حوالي الساعة الخامسة مساءً.
كان المزاج في ساحة الحرية غاضبًا وقلقاً. تجمع حوالي 2000 متظاهر يمثلون جميع الأعمار والأعراق، لسماع الخطب، وغناء الأغاني والأناشيد، والتمتع بصحبة المواطنين من ذوي التفكير المشابه. بعد أن عشت في واشنطن العاصمة لأكثر من عقد من الزمان، شاركت في العديد من التجمعات والاحتجاجات، ولكن هذا التجمع كان مختلفًا في قدرته على جمع مجموعات متفاوتة من دوائر انتخابية متباينة. مجموعة "حياة السود مهمة"، الاشتراكيون الديموقراطيون في أميركا، ممثلو نقابات العمال، المنظمات الدينية، دعاة المهاجرين، الناشطون المثليون والمثليات والمتحولون جنسياً، كذلك الجماعات اليهودية والمتظاهرون المؤيدون للفلسطينيين إمتزجوا معاً بفرح، فيما استنكر المتحدثون الكراهية والعنصرية ، ومخاطر حركة "توحيد البيض". كانت اللافتات والملصقات والقمصان في ساحة الحرية مبدعة وغالباً ما تكون مضحكة للغاية. وعلى الرغم من ارتفاع التوتر في المسيرة، ووجود الشرطة في الشوارع والمروحيات تحلق في الأعلى، كان الجو احتفالياً.
عندما اقتربت الساعة الخامسة مساءً، تجمعت الغيوم الداكنة فوق رؤوسنا، وبدأنا بالسير إلى ساحة لافاييت. كنت أسير جنباً إلى جنب مع رجال شاركوا في احتجاجات في المؤتمر الوطني الديموقراطي في شيكاغو عام 1972، ونساء أميركيات - يابانيات كبيرات سُجِن آباؤهن في بداية الحرب العالمية الثانية، وأحفاد الرجال الذين حاربوا النازيين في الحرب العالمية الثانية، امرأة تبلغ من العمر 83 عامًا اتكأت على عصاً للمشاركة في المسيرة، والعديد من اليافعين بما في ذلك أطفال لا تتجاوز أعمارهم عشرة أعوام.
ومض البرق عبر السماء المظلمة، نشطت الريح، ودوى صوت الرعد عبر المدينة عندما وصلنا إلى ساحة لافاييت. كان الناس الذين يسيرون بالقرب مني يتابعون تحديثات تويتر من منظمة "توحيد البيض"، وقالوا إن المتطرفين البيض حصلوا على حراسة من الشرطة وسيصلون في وقت قريب إلى ساحة لافاييت..وصلنا إلى الحواجز التي أقامتها الشرطة لتفريق مجموعات الاحتجاج المتنازعة، وانشق بعضنا ودخلنا ساحة لافاييت. رأينا المزيد من المتظاهرين المضادين، وعلى الجانب الآخر من المنتزه، وصلت مجموعة صغيرة من المتعصبين البيض، عددهم أصغر ليس فقط منّا، ولكن أيضاً من العشرات من الشرطة والمراسلين المرافقين لهم. "هذه هي (تظاهرتهم)!؟" سألت. "لقد تمكنوا من الحصول فقط على دزينتين من الأشخاص للاحتجاج على حقوقهم البيضاء!" "ضحكنا وهللنا وعانقنا بعضنا بعضا، على وقع هتافات تصدح في المدينة مطالبةً بإخراج النازيين من المدينة، ومؤكدةّ أنه لا يوجد "فاشيين" في الولايات المتحدة.
كانت عاصفة رعدية تختمر وبدأت قطرات المطر في التساقط حولنا، مما أدى إلى مزيد من التثبيط في مجموعة "توحيد اليمين". قررت العودة إلى المنزل، وسرت عبر المطر إلى محطة للحافلات.. شعرنا بأننا هزمنا الكراهية والعنصرية. في الوقت الذي وصلت فيه إلى المنزل، كان مزاجي قد تعكر قليلاً. ربما نكون قد كسبنا معركة، لكن لا تزال هناك حرب تختمر هنا. قد لا يكون ما يسمى بـ"اليمين" متوحداً كما كان في أب/أغسطس العام الماضي في شارلوتسفيل، ولكنهم قد يكونون أكثر خطورة الآن بعد أن نزلوا إلى الأرض مرة أخرى.