أن تُحرق صور الخميني في البصرة

مهند الحاج علي
الجمعة   2018/07/20

"بإسم الدين، باكونا (سرقونا) الحرامية" شعار بات ملازماً للتظاهرات العراقية المحتجة على فشل النخبة الحاكمة، منذ عام 2015، وحتى الاحتجاجات المتواصلة في مدن الجنوب، وعلى رأسها البصرة. ذاك أن العراق، وبعد عقد ونصف العقد على حكم الإسلام السياسي بنسخته الشيعية، انضم إلى إيران في متحف التجارب الفاشلة، لا بل تجاوزها بفساد يُرافق فشلاً مزمناً في أبسط متطلبات الحكم، أي الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء. والربط بين التجربتين الايرانية والعراقية واقع، سيما أن متظاهري البصرة أحرقوا صور رمز الثورة الإيرانية روح الله الخميني، بصفتها جزءاً من "عدة الشغل" للقوى المهيمنة على السلطة.

ومن المفيد لنا كلبنانيين التمعن بهذه التجربة، فيما يستعد "حزب الله" للعب دور أكبر في السلطة اللبنانية تحت مسميات "مكافحة الفساد" و"الإصلاح" وغيرها. ونحن بالأصل اعتدنا في لبنان على سلطة حاكمة تنخرها فضائح الفساد، وتحكم بإسم الدفاع عن الطائفة والمطالبة بحقوقها. لماذا سيخوض "حزب الله" وبين قيادييه من انتسب يوماً لحزب الدعوة عينه، تجربة الحكم بشكل مختلف، بينما يمر بضائقة مالية نتيجة العقوبات المتراكمة على إيران؟ ليس هذا السؤال مشروعاً فحسب، بل على الحزب تقديم التفسيرات لنا في خصوص الاختلافات بين نهجه المرتقب، وبين ارتكابات نظرائه في العراق.

وحكم الإسلام الشيعي في العراق فريد من نوعه ويُدرّس. في النموذج العراقي، تحول الإسلام السياسي، من خلال حزب الدعوة الإسلامية بشكل رئيسي وشركائه، إلى وصفة سحرية للسرقة وبأشكال غير معهودة في دول المنطقة، بل هي أقرب إلى النموذج النيجيري لجهة حجمها وعمقها لأسباب متعددة. بفضل الإسلام الشيعي، بات العراق اليوم رائداً في مجال العقود الوهمية. وفقاً لإحصاءات نشرتها وكالة فرانس برس الفرنسية (أ ف ب)، وقّعت الحكومة 5 آلاف عقد وهمي منذ عام 2003. خلال 15 عاماً، واختفى 228 بليون دولار أميركي من الأموال الحكومية عبر شركات واجهة، لا وظيفة لها سوى النهب. وهذا الرقم يفوق حجم الناتج المحلي العراقي (الإقتصاد)، وهو ثلاثة أضعاف الموازنة السنوية لهذا البلد.

ونظراً لهذه التجربة الفاشلة في الحكم،  يُصنّف مؤشر الشفافية الدولية العراق ضمن الدول الأكثر فساداً في العالم. ولدى العراق أيضاً أضخم قطاع توظيف حكومي بالعالم، مع 7 ملايين موظف. وبما أن هذا القطاع من تصميم قوى إسلامية، ليس كل الموظفين بشراً، بل بعضهم مخلوقات وهمية. سبق أن تحدث وزير المال السابق هوشيار زيباري عن دفع رواتب تتراوح قيمتها الإجمالية ما بين 500 و600 مليون دولار لعشرات آلاف الجنود الوهميين.

نتيجة تراكمات الحكم الإسلامي، تشكو البصرة موت أبنائها في حفر الصرف الصحي. المدينة التاريخية المعروفة بعمارتها، كانت مقصداً للسياح العرب والأجانب حتى ثمانينات القرن الماضي، وما زالت خزاناً لثروات العراق النفطية. المباني العثمانية التاريخية والمعروفة بشناشيلها وتصاميمها المميزة، تتداعى دون أن تجد اهتماماً حكومياً يُذكر. لا مياه ولا صرف صحياً ولا كهرباء، بل مشاريع وهمية واختلاسات بالجملة.

هناك نُكتة يتندر بها أصدقاء عراقيون عن الفساد في بلادهم، مفادها أن مسؤولاً آسيوياً زار صديقاً له في إحدى وزارات بغداد، وتبجح أمامه بكم العمولات التي يتقاضاها لقاء مشاريع إنشاء عبر تضخيم سعر الكلفة. سحب صورة من ملفاته لجسر، وقال لصديقه العراقي إن العمولة لقاء تنفيذه كانت مرتفعة، إذ أن العمل يُكلف 800 مليون ولكنه أنجز بمليار دولار. المسؤول العراقي اصطحب صديقه الى الشباك وأشار بإصبعه الى قطعة أرض خالية، ثم سأله "هل ترى الجسر هناك؟". أجابه الصديق الآسيوي بـ"كلا، لا أراه". رد العراقي بأن "هذا كلّفنا مليار أيضاً".