"داعش":العودة الثالثة؟

مهند الحاج علي
الإثنين   2018/07/16

في التاسع من شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الانتصار على تنظيم "الدولة الاسلامية"، المعروف أيضاً بإسم "داعش"، وذلك بعد أربعة شهور فقط على خروج مسلحيه من مناطق لبنانية محاذية للحدود مع سوريا. عندها تنفس العالم الصعداء بعد سنوات قليلة ودامية على سيطرة تنظيم "داعش" على مناطق شاسعة من لبنان وسوريا والعراق، ومساهمته في تدويل أزمات المنطقة، وتنفيذ سلسلة اعتداءات إرهابية في أوروبا والولايات المتحدة أيضاً.

لكن وبعد شهور طويلة على هذه الإعلانات، يُسجّل التنظيم عودة ميدانية في أكثر من مكان، إذ ينجح أفراده وخلاياه بالتنقل بشكل مثير للريبة بين المناطق والمحافظات. خلال الأسبوعين الماضيين، شن التنظيم سلسلة عمليات في أنحاء سوريا، من إدلب وجوارها شمالاً، إلى البوكمال الحدودية. عادت السيارات المفخخة إلى العراق. حتى الأردن اتخذ إجراءات عملية أخيراً لمنع انتقال عدوى السيارات المفخخة من العراق إلى أراضيه. ذاك أن العراق، ووفقاً لتصريحات نقلتها وسائل إعلام أردنية، كان بلّغ الأردن بنيّة التنظيم نقل السيارات المفخخة إلى قلب عمّان، ونشر وحدة قناصين عراقية خاصة على الحدود لتأمين معبر طربيل.

"داعش" زاد أيضاً وتيرة نشاطه في باكستان وأفغانستان. في الأولى، تبنى التنظيم أيضاً اعتداءً انتحارياً ضد تجمع انتخابي في اقليم بلوشستان جنوب غربي البلاد حيث سقط أكثر من 80 قتيلاً. موقع "آي بي سي" الإخباري الأميركي نشر تقريراً عن انتعاش "داعش" في مناطق حدودية في أفغانستان حيث تُقاتل القوات الخاصة الأميركية. وفقاً للجيش الأميركي، رفد متطوعون باكستانيون وشيشان وأوزبك وهنود، صفوف التنظيم، وعززوا قدراته. في ليبيا، هناك حديث عن نشاط لخلايا "داعش" في مدينة سرت ومناطق أخرى طُردت منها.

في الشمال السوري، باتت خلايا "داعش" جزءاً من المعادلة، إن لجهة دورها في الإغتيالات والتفجيرات المتنقلة، أو لتخريب بقايا التفاهمات بين روسيا وتركيا. يكاد لا يمر يوم دون اغتيال وصور قطع رؤوس في الشمال السوري. وعودة "داعش" إلى تكتيك الخلايا النائمة، ليست مفاجئة لمن عجز عن تصديق هذه النهاية الحاسمة لتنظيم بنى خبراته الأساسية في السر، لا العلن، ومن خلال التفجيرات والاعتداءات الارهابية الخاطفة، لا المواجهات التقليدية. ذاك أن "داعش" بعد عقد من الاعتداءات والعمل السري، وفي ظل الثورة السورية، فرض أجندة جهادية من نوع طالباني، ترتكز على السيطرة على الأرض، وإقامة الخلافة وفرض الشريعة والتأسيس لدولة جهادية توسعية تُحاكي "العقود الذهبية" للإسلام. لكن أليست الهزيمة مقدمة للعودة إلى العمل السري والتفجيرات؟ ألم يُدرّب التنظيم الآلاف ويؤسس لخلايا دولية وعربية خلال السنوات الماضية؟

وهذا الأسلوب في العمل ينسحب أيضاً على الجنوب السوري. قبل أيام قليلة، نفذ التنظيم تفجيراً انتحارياً بسيارة مفخخة في قرية زينون المحاذية لمنطقة سيطرة فصيل "خالد بن الوليد" الموالي لـ"داعش". التفجير أودى بحياة ثمانية عسكريين من ​الجيش السوري​ وفصائل معارضة شاركت في المصالحة.

من المرجح استمرار مثل هذه العمليات في الجنوب السوري. واللافت أن بين التقارير الواردة ما يتحدث عن انتقال مقاتلين لبنانيين مع التنظيم للعمل ضمن خلايا منطقة درعا، ربما لوجود عناصر لبنانية على المقلب الآخر. بكل الأحوال، قد تدفع ملاحقة خلايا "داعش" جنوب سوريا، بقايا اللبنانيين فيه باتجاه خيارات أخرى تتطلب استعداداً أمنياً وعسكرياً وسياسياً وحتى اقتصادياً غير متوافر في ظل عمليات التناحر والتهافت على الحقائب.