“الصفعة” الروسية لإيران تصحيحية

مهند الحاج علي
الإثنين   2018/06/11

بعدما أثمرت مناطق خفض التصعيد جبهات “مستقرة”، كما باتت تُعرف باللغة الانكليزية، بات أمام الروس مُهمّة واحدة: وضع إيران في مكانها المحفوظ ضمن الخطة الروسية لإرساء الاستقرار وتعزيز النظام السوري وإبعاد شبح الحرب الاقليمية عنه. لكن هذا الموقف لا يعني مواجهة عسكرية مع إيران، سيما لو أخذنا في الاعتبار تشعب العلاقات بين موسكو وطهران، في ظل حصار أميركي يلوح في الأفق ويُهدد اقتصادها بعقوبات قاسية وغير مسبوقة.

وبالتالي، لم يكن الاستنفار الأخير بين الشرطة العسكرية الروسية المنتشرة في القلمون، وبين قوات “حزب الله” هناك سوى رسالة تذكير وجهتها موسكو إلى رفاق السلاح، لأخذ حجمهم الطبيعي ومراعاة التوازن الاقليمي المفروض في سوريا. كانت الحركة أشبه بـ”صفعة” بين رفيقين غير متساويين في المافيا لتذكير الآخر حُبّياً بحجمه في العلاقة.

ففي سياق الإستراتيجية الروسية، لعب الإيرانيون ومعهم حزب الله وبقية الميليشيات والموالية لهم، دور المشاة في هذه الحرب، غداة تضعضع الجيش السوري وميليشياته. لذا فإنهم سيخرجون من هذه الحرب أبطالاً بإعتراف موسكو ودمشق، وقد ينالون حصةً معتبرة من كعكة اعادة الاعمار، ولا مانع كذلك في أن ينسجوا علاقات مميزة جداً مع النظام السوري لقاء جهودهم. كل اللعب مسموح دون خط روسي عنوانه: عدم تحويل سوريا إلى ملعب ايراني لا يُمكن السيطرة عليه وعلى مآلاته.

ذاك أن الإيرانيين اعتادوا في شراكاتهم مع الأميركيين في حروب المنطقة منذ عام 2001، اللهو في ملاعب خالية، إذ تخلو الساحة لهم بين الجولات المتتالية للانتخابات الأميركية، إن كانت رئاسية أو نصفية للكونغرس، ومع تقلبات الرأي العام وتبدل الأولويات الأميركية. أما في روسيا، فإن الثنائي نفسه يفوز كل مرة في الانتخابات، إلى درجة ذاب فيها الفارق الدستوري بين الرئيس ورئيس الوزراء. بل حتى وصلت المعايير الروسية الى حضيض باتت تدعو فيه أعضاءً في مجلس الشعب السوري لمراقبة عمليات الاقتراع على الأراضي الروسية. وهذه مُهمة تُترك عادةً لمن له تجارب يُعتد بها في الإنتخابات.

لروسيا استراتيجية طويلة الأمد في سوريا، تُعزز فيها قواعدها العسكرية، وعلاقاتها الاستراتيجية مع الجيش السوري. وهنا كلام آخر أيضاً. بيد أن الايرانيين استثمروا في ميليشيات بات أغلبها اليوم بإمرة وزارة الدفاع السورية. في المقابل، عزز الروس استثمارهم الطويل في بناء الجيش السوري وتدريب ضباطه، وإعادة تكوين هيئة الأركان بعد كل الخسائر التي مُنيت بها. ذاك أن النفوذ الروسي متعدد في القوات المسلحة السورية وأجهزة الأمن. وفقاً لتاريخ حكم “البعث” في سوريا، لعب جهاز الاستخبارات السوفييتي (كاي جي بي) دوراً محورياً في تأسيس جمهورية الخوف الأسدية، وبناء قدراتها الأمنية وشبكات المخبرين، وتعليمها أساليب التعذيب والسيطرة على السكان.

والدور الروسي اليوم امتداد لذاك السوفييتي. بيد أننا لو نظرنا الى نسبة الضباط السوريين الذين تلقوا تدريباً وثقافة روسية، وغلبة الترسانة الروسية لدى الجيش السوري، لتراءى لنا نفوذاً ليس بالسهل على إيران الوافدة حديثاً الى الساحة السورية، اختراقه أو حتى منافسته، سيما لو أضفنا الغطاء السياسي الروسي في مجلس الأمن وعلى الساحة الدولية.

وروسيا تُريد عودة حليفها السوري قوياً ليس فقط بالداخل، ولكن أيضاً ممراً لنفوذ موسكو في ملفات اقليمية من لبنان المجاور إلى فلسطين. ولو أخذنا هذه النظرة الاستراتيجية الروسية في الاعتبار، علينا توقع توسع نحو لبنان في اتجاهين اثنين.

أولاً، سنرى في لبنان خطاً بسيطاً يفصل بين حلفاء النظام السوري ورجالات “حزب الله”. والحقيقة أننا رأينا بعضاً من هذا الفارق في تحليل وجوه الممانعة في الاعلام للتوتر الروسي الايراني. بيد أن الدور الأسدي في السياسة اللبنانية سيكون أكثر ليونة مع المجتمع الدولي، وفقاً لإيقاع التطبيع مع النظام السوري خلال الفترة المقبلة.

ثانياً، الصفقة الروسية-الإسرائيلية في خصوص الانسحاب الايراني من الجنوب السوري، نجاح يُبنى عليه في أماكن أخرى. قد ينسحب نجاح الدور الروسي على لبنان أيضاً. هناك من يربط بين الضغوط الاسرائيلية على واشنطن لوقف تعاونها العسكري مع لبنان، وبين الرغبة الروسية في توقيع الجانب اللبناني على اتفاق التعاون العسكري بين البلدين، والذي يسمح بوجود عسكري روسي “موقت” على الأراضي اللبنانية. عندها، سيكون على “حزب الله” التعايش مع ضابط إيقاع جديد في لبنان كما في المنطقة.