جنوب سوريا ليس لبنانياً

إياد الجعفري
الأحد   2018/05/13

إحدى أكثر النظريات رواجاً بخصوص المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية في سوريا، هي استنساخ تجربة جنوب لبنان. إذ يعتقد فريق واسع من المراقبين أن الأداء الإيراني، وردود الفعل الإسرائيلية عليه، في سوريا اليوم، مشابهة لتلك التي أسست لمواجهة طويلة في جنوب لبنان، دامت أكثر من عقدين.


لا شك أن عناصر مشتركة عديدة، بين تجربة جنوب لبنان السابقة، وتجربة الجنوب السوري، حالياً. أبرز تلك العناصر، هي البدايات المتشابهة، لتأسيس مواجهة طويلة الأمد. لكن هناك فارقاً جوهرياً قد يكون حاسماً في تغيير التطورات المرتقبة للبدايات المتشابهة. يتعلق تحديداً بشريك الإيرانيين في سوريا.


في تجربة جنوب لبنان، نجحت إيران في التأسيس لذراع أمامي لها قرب الحدود الإسرائيلية، بشراكة نوعية مع حافظ الأسد. ومنذ مطلع التسعينات، استقرت الشراكة الإيرانية – الأسدية في حزب الله.


شريك الإيرانيين حينها، نظام الأسد الأب، كان يتمتع بالكثير من الخصال المشابهة للإيرانيين، وإن كان يفترق عنهم في خصال أخرى. أبرز الخصال المشتركة، الرغبة في المشاغبة على إسرائيل، لأسباب داخلية وأخرى خارجية.


اليوم، يختلف الشريك. روسيا هي شريك الإيرانيين في سوريا. وروسيا تلك، تفترق عن إيران في نقطة جوهرية، إذ من غير الوارد أن تسعى للمشاغبة على إسرائيل، ناهيك عن التفكير في تهديد أمنها القومي. لكن ذلك لا يمنع أن تتحول روسيا إلى الضامن لأمن الحدود الإسرائيلية. فهذا يعزز قيمة روسيا، في علاقاتها مع الغرب، والولايات المتحدة.


أي أن الروس، لن يزعجهم استغلال ورقة المشاغبات الإيرانية ضد إسرائيل، في سوريا، ليكونوا هم الطرف القادر على لجم هذه المشاغبات. أما أن تتحول هذه المشاغبات إلى تهديد حقيقي، وإلى حالة مستدامة، ومتطورة، تكرر نموذج "حزب الله" في جنوب لبنان.. فهذا أمر يخالف منطق التفكير الروسي، الذي تدخل ضمن معادلاته، تأثيرات اللوبي اليهودي، والعلاقات التاريخية العميقة مع إسرائيل، والغاية الرئيسية لروسيا في سوريا، وهي فرض نفسها كشريك ندّي للغرب في المنطقة، ومناطق أخرى من العالم.


كيف يمكن أن تساهم روسيا في لجم المشاغبات الإيرانية ومنعها من أن تتحول إلى تهديد جدّي لإسرائيل؟.. ربما الجواب يتمثل في تلك الضربة العسكرية واسعة النطاق، التي شنها الإسرائيليون فجر الخميس. إذ تظهر المؤشرات الأولية لحجم الضربة، واتساع نطاقها، ناهيك عن دقة ما سبقها من ضربات، حجم ما يمتلكه الإسرائيليون من معطيات استخباراتية دقيقة، تسمح لهم أن يكونوا مطلعين عن كثب على ما يحدث على صعيد التجهيزات العسكرية الإيرانية في سوريا.


يرجع البعض ذلك التفوق الاستخباراتي الإسرائيلي إلى عاملين رئيسيين، التفوق التقني الإسرائيلي، مقارنة بالإيرانيين. وحجم الاختراق الأمني الكبير، المرجح، داخل أجهزة نظام الأسد الأمنية والعسكرية، المتداخلة مع الميليشيات الإيرانية العاملة في سوريا. إذ من المرجح أن الإسرائيليين يملكون علاقات وطيدة مع شخصيات فاعلة داخل أجهزة نظام الأسد، تقدم لهم المعلومات التي يحتاجونها.


لكن إضافة لما سبق، تظهر زيارة بنيامين نتنياهو الأخيرة إلى موسكو، حجم ما تمتلكه إسرائيل من تأثير على القرار الروسي. فـ نتنياهو تمكن من إحداث تحول في الموقف الروسي تمثل في التراجع عن نيّة بيع صواريخ "إس 300" المتطورة للنظام السوري.


الحديث عن تسليم "إس 300" لنظام الأسد، شاع بعيد الضربة الأمريكية – البريطانية – الفرنسية، له، على خلفية كيماوي دوما. والتراجع عن هذا الاحتمال، جاء إثر زيارة نتنياهو إلى موسكو. الزيارة التي كانت قبيل ساعات من مواجهة فجر الخميس، الصاروخية. والتي أعلن الإسرائيليون أنهم أبلغوا الروس بها.


الروس يملكون اليوم في سوريا، نفوذاً كبيراً داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية لنظام الأسد. كما أنهم متقدمون أيضاً في الجانب التقني التجسسي، مقارنة بالإيرانيين. مما يجعل الروس، بدورهم، مصدراً مرجحاً للمعلومات، بالنسبة للإسرائيليين.


ليس خافياً على الإيرانيين، بطبيعة الحال، حجم التنسيق الأمني والعسكري الروسي – الإسرائيلي. والعلاقات السياسية المتينة التي تجعل نتنياهو ضيفاً على بوتين، كل بضعة أسابيع. لذا يعلم الإيرانيون أن بوتين، لن يلعب دور حافظ الأسد، في شراكته معهم. كما أنهم يعلمون أن بوتين يراهن على تسوية في سوريا، تجعله شريكاً للغرب. وفي تسوية كهذه، يكون إرضاء إسرائيل، أحد أبرز البنود.


وهكذا تواجه إيران في الجنوب السوري مشهداً مغايراً لذلك الذي واجهته في جنوب لبنان، سابقاً. فوارق كبيرة، أبرزها اختلاف الشريك، هذه المرة. من دون أن ننسى الخبرة الإسرائيلية طويلة الأمد من تجربة الصراع مع حزب الله، التي دون شك، تُؤخذ بالاعتبار في أوساط صناع القرار في القدس الغربية.


من المستبعد أن يكون جنوب سوريا، لبنانياً.