الانترنت اللبناني مستباح

مهند الحاج علي
الجمعة   2018/02/09

فيما تشهد الولايات المتحدة معركة قضائية وأمنية وسياسية لكشف ملابسات التدخل السيبراني الروسي  لمصلحة الرئيس دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية عام 2016، تتسرب في لبنان دورياً أنباء عن مدى الإنتهاك المتواصل لأمننا القومي وخصوصياتنا كمواطنين.

في خصوص أمننا القومي، نشرت صحيفة "الديلي ستار" اللبنانية الناطقة باللغة الانكليزية، تصريحاً لمستشار رئاسي لبناني يؤكد فيه ما في ورد في تقرير نشرته صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية في تشرين الثاني الماضي: ايران استهدفت البريد الالكتروني لرئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء اللبنانيين ميشال عون وسعد الحريري، تباعاً.

"لو فيغارو" كانت نشرت في تقريرها أن الإيرانيين تمكنوا من اختراق البريدين الالكترونيين للحصول على معلومات قد تُعزز حظوظ "حزب الله" وحلفائه بالفوز في الانتخابات المقرر إجراؤها مطلع أيار المقبل. "لو فيغارو" حددت في تقريرها نوعين من المصادر، إما غربية شرحت هدف عملية القرصنة الايرانية، أو أمنية لم تُحدد هويتها (يبدو أنها لبنانية)، وأكدت أن الايرانيين اخترقوا البريد الالكتروني للرئيسين عون والحريري منذ شهر أيار العام الماضي.

وفيما نفى مصدر قريب من الحريري للصحيفة حصول أي اختراق، أقر مستشار اعلامي للرئيس عون بأن المحاولة وقعت، لكنها لم تنجح نتيجة اجراءات أمنية احترازية. مصادر غربية وأمنية تؤكد الاختراق ومستشار رئاسي يقر بوقوع المحاولة فحسب. لا يهم. النتيجة غير مهمة هنا، إذ أن الاستهداف الايراني وقع، وبالتالي فإن على السُلطات اللبنانية فتح تحقيق في القضية، بدلاً من الانشغال بملاحقة صحافي هنا وآخر هناك.

هذا لجهة الاعتداءات الخارجية بحقنا. داخلياً، لا يبدو أن هناك رادعاً حيال التعرض لخصوصياتنا، سيما وأن الفضاء الالكتروني بات مزدحماً بالنشاط الأمني هذه الأيام. مبدئياً، هناك أربعة أجهزة لبنانية أساسية أظهرت قدرتها على اختراق حسابات على الانترنت والهواتف الذكية والاتصالات عبر برامج وقدرات اكتسبتها خلال السنوات الماضية، ومنها من دخل هذا النادي قبل شهور فقط. وهذه الأجهزة هي مخابرات الجيش والأمن العام اللبناني وأمن الدولة وأيضاً فرع المعلومات.

والحال أن عمليات التجسس واسعة النطاق، ولا تقتصر على لبنان فحسب. على سبيل المثال، ما كشفته شركتان للأمن السيبيري لوكالة "أسوشيتد برس" أخيراً، عن أن الأمن العام تجسس على آلاف الأشخاص من لبنان و21 دولة أخرى. في حيثيات القضية، تُركت الكميات الهائلة من البيانات الشخصية على الملأ، ولم تُلغ كما يجب.

قبلها، اعتُقل الممثل اللبناني والصحافي السابق زياد عيتاني في عملية يعتريها الغموض، ويبدو من البيانات والتسريبات المتناقضة أنها تحوي على الأقل اختراقات لحسابات التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية.

واللافت هنا أن الاختراقات المحلية لا تتعرض للمحاسبة والمراقبة، لكنها عُرضة للمزاحمة والاقتسام بين الأجهزة الأمنية المختلفة. والخطر الأساسي أن القضاء ليس قادراً تقنياً على التدقيق بشكل كاف في أي أدلة الكترونية يُوفرها الجهاز الأمني المعني ضد مشتبه به.

هذا في خصوص أجهزة الأمن فحسب. بيد أن "حزب الله" طوّر قدراته في هذا المجال وبات جزءاً من هذا النادي، وفقاً لكولين أندرسون الخبير السيبراني الذي نشر تقريراً عن القدرات الالكترونية الايرانية في مركز كارنيغي للسلام. لم يحصل "حزب الله" فحسب على القدرات الايرانية، بل ربما تجاوزها نتيجة تنامي تقنياته، بحسب المصدر ذاته. لكن الحزب قد لا يبقى وحيداً في الساحة، سيما أن بقية القوى السياسية ممن لها تاريخ عسكري-ميليشيوي، أسست جيوشاً الكترونية ليست ببعيدة جداً عن استحواذ قدرات متقدمة قد تنفعها انتخابياً (ضد الخصوم). قبل شهور من الانتخابات، نسمع عن استخدام قوى محلية برامج جديدة جُرّبت في بريطانيا والولايات المتحدة، لتحليل بيانات مستخدمي وسائل التواصل جغرافياً، من أجل استهدافهم بالدعاية، أو لبث إشاعات كاذبة عن الخصوم.

ايران تخترق فضاءنا الالكتروني وحسابات خاصة بالرئاسة ورئاسة الحكومة، في حين تنتهك الأجهزة والأحزاب خصوصياتنا. كل هؤلاء لبنانيون وغيرهم يملكون حصانة، إلا المواطن العادي الذي بات مكشوفاً في كل شيء حتى حساباته الخاصة وصوره وتواصله مع بني البشر.