إيران هددت أوروبا بلاجئي لبنان

مهند الحاج علي
الإثنين   2018/12/10

في ثنايا تهديدات الرئيس الإيراني حسن روحاني للدول الغربية، (والمقصود بها الدول الأوروبية، لا الولايات المتحدة فحسب)، تلميحات أبعد من إيران. صحيح أن تحذيره الدول الغربية يوم السبت الماضي من أن المخدرات ستتدفق إليها في حال نجاح العقوبات بإضعاف إيران، يرتبط بتهريب الإنتاج الأفغاني للأفيون، وتدهور قدرة السلطات الإيرانية على ضبطه. لكن كلامه عن اللاجئين يتجاوز حدود إيران. في خطابه أمام مؤتمر لـ"مكافحة الإرهاب" في طهران، حذر روحاني "أولئك الذين يفرضون العقوبات بأن لو تأثرت قدرة على مكافحة المخدرات والإرهاب … لن تكونوا محميين من موجة مخدرات وطالبي لجوء وقنابل وإرهاب".

والرئيس الإيراني هنا شرح تهديده بشكل مفصّل أكثر، إذ قال إن "الكثيرين لن يكونوا في أمان في حال اضعاف إيران بالعقوبات. ومن لا يُصدقنا، فمن الأفضل له أن يتفحّص الخريطة".

وِجْهَة المخدرات من أفغانستان وإيران إلى العراق وغيره معروفة ومُمكنة نظرياً، لكن من أين سيتدفق اللاجئون على الدول الغربية؟ ولماذا؟ الأرجح أن روحاني يتحدث عن لبنان، لا عن العراق أو إيران. ذلك أن التهديد الإرهابي وتدفق اللاجئين من العراق غير ممكن خلال السنوات المقبلة. حتى لو حصل ذلك، لن يتدفق اللاجئون سوى من لبنان. بإمكان لبنان أن يصير معبراً أساسياً لتدفق اللاجئين بحراً وجواً، بعدما أفقلت تركيا، الأقرب جغرافياً، أبوابها إثر اتفاق مع الإتحاد الأوروبي. وهذا التدفق كفيل بالضغط على أوروبا.

ذاك أن "صبر إيران بدأ ينفد"، كما حذر رئيس منظمة الطاقة الذرية في إيران علي أكبر صالحي قبل أسبوعين، مهدداً بمعاودة بلاده تخصيب اليورانيوم بدرجات مرتفعة (20%). عند إطلاق هذه التصريحات، كانت طهران تنتظر الإجراءات الأوروبية لحمايتها من العقوبات الأميركية، وتحديداً الآلية المالية الخاصة (Special Purpose Vehicle). حتى يوم أمس، مضت 7 شهور من دون تحقيق أي نتيجة تُذكر. وهذه التهديدات لا تأتي عن عبث. هناك موظفون إيرانيون لا يتقاضون رواتبهم منذ شهور، وسيزداد عدد هؤلاء الموظفين واحتجاجاتهم وصرخاتهم. والواقع نفسه ينسحب إلى حد ما على "حزب الله" و"موظفيه" في لبنان. تتردد تقارير عن خفض رواتب وإلغاء علاوات نظراً لتأثير العقوبات التي بدأت رسمياً منتصف هذا العام. الحزب معني تماماً كإيران بالإجراءات المالية الأوروبية وفاعليتها في تمرير صفقات النفط وغيرها، كونها مرتبطة عضوياً بتمويل التنظيم ومؤسساته الكثيرة (وحلفائه أيضاً) في لبنان. لو أخذنا كل ما سبق في الاعتبار، كيف بإمكاننا عدم الربط بين هذه العقدة الإيرانية-الأوروبية من جهة، وبين عرقلة تشكيل الحكومة في لبنان وتدفق بضعة آلاف من اللاجئين إلى أوروبا من جهة ثانية؟  

لن نحتاج إلى وقت طويل للبت في هذه المسألة. بالأمس، أقرت ألمانيا وفرنسا الآلية المالية الخاصة من أجل حفظ العلاقات التجارية للاتحاد الأوروبي مع إيران. الآلية ستسمح تدريجياً بإجراء الصفقات بدءاً بالغذاء والدواء، وانتهاء بالإجراءات المالية لصفقات النفط، بعيداً عن سيف العقوبات الأميركية. ستتخذ هذه الآلية من فرنسا مقراً لها، على أن يترأسها ألماني أو ألمانية. خلال الفترة المقبلة، ستنضم 9 دول أوروبية إلى الإتفاقية (والآلية)، على رأسها ايطاليا واسبانيا والنمسا وهولندا، ما يزيد من احتمالات نجاح الإجراءات الأوروبية.

ولو صحّ الربط أعلاه بين الأزمات المحلية للبنان والأزمة الأوروبية-الإيرانية، من الأرجح أن تشهد الساحة اللبنانية انفراجة وشيكة على صعيد تشكيل الحكومة. لأنه بعد فك ضيق الإيرانيين، يحين موعد الإفراج عن رهينة إيرانية اسمها لبنان.