ليس في سوريا ملكات جمال!

أحمد عمر
السبت   2018/12/01

قال مجتهدون متنطعون في الشرح وصيانة الذرائع، إنّ حفلة انتخاب ملكة جمال روجافا دعاية مقلوبة، أو إنّها للتغطية على مقتل قياديين كرديين في الرميلان، إلا أنّ الأرجح أنّ الغيرة السياسية هي السبب، فأسماء الجميلات تصدرت "الكاست" في أبجدية الظهور، وسبقت أسماء الساسة والقادة، ولا يجوز سبق أبناء الأكرمين وهي من أهم أسباب الصراع على هذه المطحية والمطحونة. والغيرة عندما تبلغ العتبة الحرجة تصير حسداً، والحسد قاتل، وهو سبب قتل قابيل لهابيل، والحق أنّ الإدارة الذاتية الموقرة قد نجحت في أمر لا يذكره هؤلاء النقاد الضالون الساخطون على حكمة الإدارة الذاتية الرشيدة، وكان أمرهم فرطا، وهو أنّ أمراً وحيداً، يتيماً، فريداً، سحاً، غدقاً، عاماً، مجللاً، قد جرى العناية به عناية فائقة مشددة في الكيان الفاضل، وهو: مقابر قتلى الحزب، فقبورهم- أيها السادة على قيد الحياة الحديدي الصدئ: مرتّبة، رخامية، مرتّلة في سطور، ملونة، مزينة بألوان العلم الكردي الفاقعة، الذي يعوّض عن سواد الحياة، بجمال الألوان في هندسة القبور. والترتيب والترتيل والتجويد والتحبير ليس عبثاً، هل رأيتم البقال كيف يصفف الفواكه في سطور، هؤلاء أيضاً يبيعون الشهداء. شهداء للبيع في أوكازيون السياسة الفاخر. الشهيد مثل اللقاح الصحي يحصّن القيادة من الأمراض السياسية.

التجصيص طارئ - أيها الباقون على قيد الحياة، أو على قيد الحرية - وكانت الحرية دوماً مقيدة بالأغلال والأكبال، على مجتمع سنّي شافعي، التجصيص وافد من مجتمعات تقدس الأضرحة وتعبدها، وقد يكون سببه هو أن القتيل ليس له مطالب، أخرس، وسيحرس القيادة من أي نقد، فكل معارض هو خائن لدم الشهيد، فلا بأس من تكريمه بمثوى، كما أن القتيل محروم من جنة الآخرة، فشواهد القبور معقمة من الدين، الذي يصحو عند الموت، حتى عند الملاحدة  الكفار، تكفي الضحية جنة الكتابة الكردية على شاهدة قبره بالحرف اللاتيني، شهادة تخرجٍ وامتياز من الحياة المُرّة المستعربة، ولا بأس بقبر أخير لمن ضحى بروحه في سبيل الوطن الذي يختصر في كل المنطقة إلى شخص واحد، هو القائد الرمز، الكينغ كونغ الفحل، الذي إلتهم مئات الأبكار العذراوات .

دار قبل فترة جدل على الصفحات حول طائفة عبد الله أوجلان، الذي يقول خصومه بعلويته، فردَّ أذكياء الحزب الكردي البعثي المتقاعدين، قائلين: إن أخته، أو أمه، أو خالته، اسمها عائشة، لكنّ هذا ليس دليلاً كافياً على سنيّته، فالمِلل والنحل، عندما تعبر ثقافات الشعوب تبدل أثوابها ويصيب ألوانها بعد الازورار. مهما يكن أوجلان؛ سنياً أو علوياً أو هندوسياً، فإنّ النسب العقائدي السياسي المصيري بين العلويين والكرد زاد وماد. كان مبارك والقذافي وابن عليّ من أهل السنة و"المجاعة“. وكان كاتب السطور يتعجب وهو يرى شعارات على جدران مدينة حلب، في الثمانينيات، تركتها السلطات الحاكمة المنتصرة على الشعب لحكمة وغاية، مثل الغنائم؛ كانت تندد "بالكرد كلاب السلطة العلوية"، لتأصيل الفرقة، وكانوا وقتها من السنّة. الجهل نسب أيضاً. التاريخ يتكرر، لكن الجغرافيا تغيرت.

سبب تذكر النسب الطائفي بذي سلم، في هذا المقام، هو رهاب النظام الحاكم السوري الجبلي التيسي من مسابقات ملكة الجمال، كأنّ اللقب يهدد القصر الجمهوري، كأنها محاولة انقلاب على حصان طروادة الجمال. وهذا المقال يقرُّ بأنّ النظام أقام في الفترات الأخيرة بعض مسابقات الجمال، لكن بعد تقديمها أضاحي وقرابين في مواسم الفاكهة؛ عنب وباذنجان وطماطم، ويشرف عليها الحزب البعثي، فيحوّل الملكة المنتخبة بحضوره إلى سبيّة أو جارية، ينتهي بها الحال إلى سوق الهال. لا بد من تلويث المسابقة بحضور ممثل للحزب. يذكّر هذا الفعل بأفعال الملوك المناكيح الشائنة الذين كانوا يحتفظون بحقِّ الليلة الأولى في افتضاض العروس، لا بد من أن يلِغ الكلب في رحم الإناء، وقد يتبول فيه إذا كان عنيناً، وإن اقتصر الولوغ المعاصر بظهور كلب الدولة النجس في رحم الحفلة المغتصبة. الخلاصة: ليس في سوريا مسابقات ملكة جمال، فيها ملوك قبح وعبيد. رفعت الأقلام وجفت الصحف.

وعليه بعد التدقيق وضرب الرمل والبحص، والتمحيص والتحميص في تنور الأيديولوجيات النارية، نجد أنّ النظامين البعثي العربي والبعثي الكردي، الجبليين، التيسيين، المتآخيين، في الضراء والضراء، يدّعيان العلمانية والحداثة، ويضيقان بنشاط مدني لملكات جمال، مع أن خطر الإناث السياسي شبه معدوم في مجتمعات الأكباش التي ظهرت بعد الدمار. ويتعدى الأمر رعب الطغيان من ثلاثي أضواء الواقع: الحق والخير والجمال إلى أمر سياسي خطير، فقد استطاعت "مرشدة الأخوات الحسناوات"، ليلى الكردية، تنظيم حزب اسمه "جميلات روج آفا"، تحت سمع الذئب وبصره، ياللهول، الجمال للمقابر فقط.

يزعم ماركس إنّ التاريخ يعيد نفسه مرتين، على طريقة "صافيني مرة وجافيني مرة"، مرّة على شكل مأساة ومرّةً على شكل مهزلة. والواقع أنهما هذه المرة؛ المأساة والملهاة قد اجتمعتا في فراش واحد في عصمة الذئب، من غير مأذون شرعي في ليلة حمراء أطول من قرن، على طريقة الأفلام الإباحية.

ثمة أغنية كردية راقصة، سريعة الإيقاع، لا تصلح معها رقصة كيكي لسببين؛ الأول أنّ الرقص الكردي جماعي، ورقصة الكيكي بوليرو ثنائية، تجمع راقصاً بشرياً مع سيارة ماشية على حلِّ شعرها. والثاني أنّ الدبكة الكردية وإن كانت زلزالاً على أنغام طنبورة غاضبة، تهز بعواصف ألحانها طبقات الجسم الجيولوجية الخامد هزاً، فإنها ثابتة في المكان، وإن تحركت، ففي حلقة مفرغة مثل الخنفساء في تيه طاسة الرعب، تعود فيها إلى نقطة القاع مكررة قصة العود الأبدي. كلمات الأغنية تقول: أيتها الشقراء، نهداها تينتان على شجرة الحور...

وقد رأت جماهير شمس الأصيل في قامشلي (بالياء)، والقدود على الشط بتميل، تينتين مستحيلتين على شجرة الحور؛ مرتين، بعد أن جاءت أكباش ميرو من الجبال: مرة تينةً حلوة ًعلى أغصان شجرة الجمال، ومرةً تينةً يابسة بين أنياب الحزب، فللهِ الحمد والمنّة.