إيران والبعد العراقي الاخر

حسن فحص
الأربعاء   2018/11/21

بعد ان حققت ايران ما ارادته في العراق بتكريس حلفائها في قيادة فصائل الميليشيات العسكرية كشركاء في العملية السياسية، وتحولوا الى الرقم الصعب بعد الانتخابات البرلمانية الاخيرة، وإحدى الجهات المقررة في تشكيل الحكومة واصحاب حصة وازنة في توزيع الحصص في الوزارات والادارة العامة والمؤسسات العامة، استكملت هذه الهيمنة من خلال تثبت مؤسسة الحشد الشعبي كجزء من صنوف القوات المسلحة العسكرية من خلال القرار الذي اصدره رئيس الورزاء الجديد عادل عبدالمهدي بمساواة عناصر الحشد مع القوات المسلحة في الرواتب واعتباره صنفاً مستقلاً في المؤسسة العسكرية الى جانب الجيش والشرطة وقوات مكافحة الارهاب.

الخطوة الاولى في هذا السياق، جاءت عندما ضغطت طهران عبر حلفائها على الحكومة السابقة بقيادة حيدر العبادي لاقرار قانون تنظيم الحشد الشعبي في البرلمان، واستمر الجدل بين مراكز القوى السياسية العراقية على طبيعة هذا القوات، ما بين مساعي العبادي الى دمج عناصر الحشد بالقوات المسلحة وتوزيعهم على صنوفها، وبين الدفع من قيادات هذا الحشد ليكون صنفا مستقلا بدعم من طهران.

في النهاية تحقق لايران ما خططت له منذ الخطة الاولى التي وضعت لمواجهة تنظيم داعش الذي احتل نحو ثلث مساحة العراق في حزيران 2014، عندما لم تتردد القيادة الايرانية المكلفة بالملف العراقي في التعبير عن هدفها بتشكيل قوات شعبية تشبه الى حد كبير ما يعرف بقوات "البسيج" او التعبئة الشعبية في ايران وتحويله الى قوة اساسية في اطار المؤسسة العسكرية العراقية على غرار حرس الثورة "باسداران".

قبل صدور فتوى الجهاد التي اعلنها المرجع الاعلى السيد علي السيستاني في الجهاد الكفائي، كانت الحكومة العراقية تخوض صراعا مع مراكز القوى الداخلية حول طبيعة هذه الجهود في وقت كانت تبذل جهودا كبيرة لاعادة ترميم مؤسسة الجيش والقوات المسلحة بعد النكسة والانهيار الذي لحق بها بعد  سقوط محافظة نينوى ومدينة الموصل.

الفصائل السياسية التي اعلنت عن تشكيل قواتها العسكرية او تلك التي كانت تملك ميليشيات فعليا، استغلت غطاء الفتوى الدينية لاستقطاب اعداد المتطوعين لتعزيز صفوفها وفرض نفسها شريكا في المعركة ضد داعش، وتاليا في التحرير ومغانم ما بعد التحرير. وهي التي تحولت الى الذراع الايرانية الاكثر تأثيرا في الانتخابات الاخيرة والشريك الاساس في تحديد شكل الحكومة، بعد ان كانت منافسة في ترشيح قيادات منها لرئاسة الوزراء.

هذا المسار، ساهم في تعزيز القبضة الايرانية على الحياة السياسية العراقية، وان كانت طهران لا تلغي او تنفي شراكتها مع واشنطن في تقاسم الحصص، وهي استخدمت هذه القوى لمنع الولايات المتحدة من تنفيذ مخططها لاخراج طهران من العراق سياسيا ولاحقا عسكريا عبر المطالبة الدائمة بحل الحشد الشعبي والتخلص من الميليشيات التابعة لايران.

بعد هذه الخطوة الميدانية، سعت طهران لتعزيز علاقاتها الرسمية مع بغداد، من خلال تعزيز القناة الدبلوماسية الى جانب القناة العسكرية والامنية، اي عملت طهران لفتح علاقات بين الحكومتين الايرانية والعراقية من دون المرور بالبوابة الامنية، فلم تتردد في ايصال رسائل واضحة ومباشرة لرئيس الوزراء السابق حيدر العبادي بانها ترغب في تعزيز العلاقات بين الحكومتين من خلال التفاهم وتوقيع اتفاقيات تتعلق بمسائل مشتركة من اختصاص الوزارات في الحكومتين، ذات طابع اقتصادي وتجاري وانمائي.

الرغبة الايرانية جاءت في الوقت الضائع، اي وسط المعركة الانتخابية التي انشغلت بها القوى السياسية والحكومة في العراق، والتي كان العبادي احد اقطابها المنافسين، ويمكن القول انها تلخصت في نقاط ستٍ لا تشكل استفزازا كبيرا لواشنطن في حال تم الاتفاق عليها، خصوصا وان طهران أجلت طرح مسألة الطلب من الحكومة العراقية اعلان التزامها باتفاقية عام 1975 التي اعلن صدام حسين الانسحاب منها ثم عاد والتزم بها بعد قرار مجلس الامن 598 لوقف الحرب واكدها قبل احتلال الكويت.

والنقاط التي تعتبرها طهران مدخلا لتعاون رسمي بين الحكومتين هي:

  1. وصل سكة الحديد الايرانية في خرمشهر بالخطوط العراقية في البصرة، وهي وصلة لا تتجاوز 35 كيلو مترا، وبالتالي تسمح ، حسب طهران، بربط العراق بايران وصولا الى الصين والهند وروسيا.

  2. عقد توأمة بين المدن الحدودية في البلدين.

  3. عقد اتفاقية لتنظيف وتطوير شط العرب من الناحية العراقية واروند رود من الناحية الايرانية، وبالتالي تسهيل عمليات دخول وخروج السفن الى الموائي المشاطئة في البصرة وابو الخصيب وخرمشهر من الناحية الايرانية.

  4. تثبيت التعرفة الجمركية بين البلدين، وهي معضلة تعاني منها الحكومة العراقية بسبب عدم وجود سياسة ضريبية واضحة في جميع القطاعات ولا تستهدف ايران وحدها.

  5. دفع الديون العراقية المستحقة بدلا عن شراء الكهرباء من ايران والتي بلغت حينها اكثر من مليار دولار، وهي مطالب طرحتها الحكومة الايرانية قبل اللجوء الى قطع الامدادات خلال فصل الصيف.

  6. توقيع اتفاقية تعاون بنكي بين البلدين، ولعل هذه النقطة هي الاكثر حساسية بين النقاط الاخرى، وان كانت النقاط السابقة لا تقل اهمية عن هذا البند، خصوصا وان طهران كانت تنتظر عن طرحها لهذه النقاط اعلان الرئيس الامريكي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي.

لم تكن زيارة الرئيس العراقي برهم صالح لطهران مقدمة على زيارته للسعودية على العكس من الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، واعطت للايرانيين اكثر مما ارادوه في عهد العبادي، اذ اتفق الطرفان، حسب تصريحات الرئيس العراقي، على رفع التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري الى مستوى 20 مليار دولار بدل 12 مليار، وعدم الالتزام بالعقوبات الاقتصادية الامريكية المفروضة على ايران.

بهذه الاتفاقيات تكون طهران قد استكملت مداخل نفوذها على الساحة العراقية وكرست دورها في مواجهة الدور والنفوذ الامريكي، وفرض على واشنطن شراكة واضحة على جميع المستويات، ان كانت عسكرية عبر شرعنة مؤسسة الحشد الشعبي مقابل فرقة مكافحة الارهاب والرد السريع، وان كانت سياسية عبر حصتها الواضحة والوازنة في الحكومة والتي تدفع الى ترسيخها من خلال الحصول على وزارة الداخلية، وان كان من الناحية الرسمية من خلال الاتفاقيات التي اعلن عنها الرئيسان الايراني حسن روحاني والعراقي برهم صالح خلال زيارته الى طهران.