واشنطن–طهران: الحوار المؤجل

حسن فحص
الإثنين   2018/11/12

عندما اعلن الرئيس الامريكي دونالد ترامب استراتيجيته حول ايران في 13 اكتوبر/ تشرين اول 2017، وعلى الرغم من حديثه عن نقاط كثيرة تضمنت الشروط الامريكية للبقاء في الاتفاق الموقع بين ايران ومجموعة دول 5+1 قبل عامين، الا ان الشرط الاساس الذي لم يتم التوقف عنده كثيرا، كان في حديث ترامب – رجل الاعمال عن خيبة امل من تفريط ادارة سلفه باراك اوباما بالمصالح الامريكية الاقتصادية، من خلال اشارته الى ان هذا الاتفاق كان من المفترض به ان يساهم في توفير فرص عمل في الداخل الامريكي، الا ان سوء ادارة الملف سمحت للآخرين الاستفادة من هذه الفرصة، أي الشركاء الاوروبيين في الاتفاق.

بعد سنة على هذه الاستراتيجية اعلن ترامب في 8 مايو/ ايار الانسحاب من الاتفاق النووي واضعا القرار في خانة مواجهة النفوذ والدور الايراني في الاقليم وزعزعة استقرار منطقة الشرق الاوسط من خلال تدخلها في الشؤون الداخلية للدول ودعم الارهاب.

القرار الذي اتخذه ترامب، تولى وزير خارجيته مايك بومبيو تفسيره، من خلال وضع 12 شرطا لاي حوار امريكي – ايراني لعودة واشنطن الى تفعيل العمل بالاتفاق النووي وتطبيع العلاقات بين البلدين.

الشروط التي اعلنها بومبيو بعضها تمحور حول بنود سبق ان تم التوافق عليها في الاتفاق النووي عام 2015، ولا يمكن لايران ان توافق على اعادة النظر حولها خاصة وان الدول المشاركة في الاتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس الامن الدولي يؤكدون التزامها بتنفيذ بنود الاتفاق وعدم حصول اي خلل في آلية العمل بها. ما يعني ان العودة الى نقطة الصفر في التفاوض حول الملف النووي مستبعدة في القاموس الايراني، فضلا عن صعوبة القبول ببحث ملف الصواريخ الباليستية في اطار يؤدي الى تخليها عن هذا البرنامج وتفكيكه، من دون استبعاد استعدادها لبحث موضوع عدم تطويرها لتكون قادرة على حمل رؤوس نووية في اي مفاوضات محتملة.

الا ان الجزء الاساس والاهم في هذه الشروط يتعلق بنفوذ ايران الاقليمي، والدور الذي تلعبه في العراق وسوريا واليمن وافغانستان وانتشار قوات فيلق القدس في حرس الثورة الاسلامية في هذه الدول، اضافة الى التخلي عن لغة التهديد في التعامل مع دول الجوار، والكف عن التهديد بالقضاء على إسرائيل وشن هجمات صاروخية على السعودية والإمارات.

شروط في بعدها الاقليمي قد تكون اصعب على ايران من بعدها النووي، وقد يكون من السهل على ايران تقديم تنازلات في برنامجها النووي على ان تقدم اي تراجع في النفوذ الاقليمي الذي يضمن لها استمرار دورها وبقاءها على خارطة الدول المؤثرة في الاقليم. خاصة في ظل توصلها الى تفاهمات حول هذه الملفات مع الادارة الامريكية في عهد اوباما بشكل مستقل بعيدا عن الملف النووي.

وامام التصعيد في الشروط الامريكية وعودة العقوبات الاقتصادية – الثانوية حسب التعبير الايراني- الاحادية، هناك من يعتقد داخل الادارة والنظام الايراني ان بالامكان دفع واشنطن للتخلي عن هذه العقوبات والعودة الى الاتفاق النووي، مع بعض التعديلات عليه لا تمس اسسه وجوهره، من خلال تقديم اغراءات اقتصادية سبق ان ألمح لها الرئيس الامريكي في استراتيجيته حول ايران.

طهران وفي محاولة لاستيعاب التصعيد الامريكي لمحاصرتها، انتقلت الى اتخاذ خطوات عملية في اطار هذه الرؤية الاقتصادية لحل الاشتباك مع الادارة الامريكية التي يشدد رئيسها على البعد الاقتصادي لاي تحرك دولي، ولا يتردد في اللجوء الى اساليب الابتزاز السياسي والامني للحلفائه، حتى في منطقة الشرق الاوسط، من اجل الحصول على مكاسب اقتصادية. وفي هذا الاطار تحدثت اوساط ايرانية مقربة من مراكز القرار عن محاولات لفتح باب الحوار بين طهران وواشنطن عبر الوسيط العربي الدائم، اي سلطنة عمان، جرت في شهر يونيو/ حزيران 2018، اي بعد نحو شهر من النقاط التي اعلن عنها وزير الخارجية بومبيو. ولم تكشف هذه الاوساط عن نتائج هذه الجلسات او ما توصلت له من تفاهمات بين الطرفين، الا انها اشارت الى انها ستساهم في التأسيس لحوار معقد، خاصة فيما يتعلق بالجانب الداخلي الايراني الذي يشهد انقساما حول فتح هذا الباب للحوار الثنائي مرة جديدة على خلفية انعدام الثقة بواشنطن، اضافة الى وجود تيار يعارض قيام ادارة حسن روحاني بهذه الخطوة في ظل معركة داخلية تهدف الى اضعافه وعرقلة اي انجازات قد تزيل العوائق امام عودة ايران الى الخارطة الدولية.

الجهود الايرانية للتخفيف من الاندفاعة الامريكية المتشددة ضدها لم تقتصر على البوابة العمانية، بل كانت جزءً من محادثات الرئيس الايراني حسن روحاني في زيارته الى سويسرا التي تتولى مهمة رعاية المصالح الامريكية في ايران في 2 يوليو/ تموز 2018، وتقول اوساط ايرانية ان رئيس الاتحاد السويسري آلان بيرسي نقل الى روحاني رسالة مباشرة من الرئيس الامريكي تبلغها في اتصال هاتفي اجراءه معه ترامب قبل يوم من وصول روحاني الى العاصمة برن تؤكد استعداد الولايات المتحدة لفتح صفحة جديدة مع طهران في حال قدم روحاني تعهدا واضحا بتخلي ايران عن سياساتها العدائية لاسرائيل والاعتراف بها وعدم عرقلة صفقة القرن. الامر الذي دفع روحاني  الى اعلان مواقف تصعيدية ضد واشنطن واسرائيل من سويسرا شملت التهديد باقفال مضيق هرمز كرد على طلب ترامب.

جهود رئيس الاتحاد السويسري لم تقف عند مباحثاته مع روحاني، بل شملت ايضا المباحثات التي اجراها خلال زيارته الى العاصمة اللبنانية بيروت في 26 اغسطس/ آب 2018، حسب هذه الاوساط، والتي كان على جدول اعمالها بحث الأوضاع والتحديات الاقليمية والدولية، وتخللها الحديث عن استعداد اسرائيلي لترسيم الحدود المشتركة بين لبنان وفلسطين.

وتخشى بعض الاوساط السياسية الايرانية التي سبق ان شغلت مواقع متقدمة في الفريق الايراني المفاوض، ان تنجح واشنطن في احداث شرخ في العلاقات الايرانية الاوروبية من بوابة ازمات الشرق الاوسط والموقف من اسرائيل، ما سيؤدي الى خسارة ايران للجهة التي تراهن عليها في تخطي العقوبات الامريكية، وبالتالي تشديد الحصار عليها. ولعل المصدر الاساس لهذه المخاوف ما تعرض له روحاني وفريقه من هجوم واسع من داخل النظام ضد اي نوايا او الحديث حول امكانية وضرورة اعادة فتح مسار حوار مباشر مع الادارة الامريكية. وهو ما يمكن تلمسه من الموقف الاخير الذي صدر عن روحاني خلال اجتماعه مع الادارة الاقتصادية الذي عقد في 6 نوفمير/ تشرين الثاني وحديثه عن وساطات غربية لعقد لقاء مع ترامب في الامم المتحدة، حيث اكد ان حكومته ليس لديها ازمة او مشكلة في الحديث مع الادارة الامريكية "لكن عليكم ان تنفذوا ما تعهدتم به، وليس لدينا اي ازمة في الحديث اذا كان الطرف المقابل لنا طرف يعطي قيمة لكلامه وعهوده والتزاماته".

وفي محاولة لمغازلة الجانب الاوروبي يؤكد روحاني "لسنا وحدنا اليوم المنزعجين من السياسات الامريكية، فحتى الشركات والحكومات الاوروبية منزعجة من السياسات الامريكية".

ولم يخف روحاني رغبته في انتهاء ولاية ترامب في البيت الابيض، معتبرا ان طهران ليست وحدها التي ترغب في ان تكون ولاية هذه الادارة قصيرة واقصر، فحتى حلفاء امريكا الاوروبيين قالوا لي في اجتماعاتهم معي ان هذا الامر احد تمنايتهم".

روحاني ومن اجل اظهار صلابة الموقف الايراني في مواجهة الادارة الامريكية، يشير الى ضرورة التصدي للعقوبات والضغوط الامريكية من خلال "مساعدة الشعب والاتحاد والوحدة في المجتمع وان نفهم الامريكي بكلام واضح بأن لا يستخدم  لغة التهديد والعقوبات والضغط والوعيد في الحديث مع الامة الايرانية العظيمة".

على الرغم من هذه المواقف المتشددة لروحاني، الا انه لم يقفل الباب امام امكانية فتح حوار مباشر مع واشنطن، وهو الذي تريده ادارة ترامب في المرحلة المقبلة، اي حوار مباشر ومن خارج مجموعة 5+1 على خلفية الشروط التي سبق ان اعلن عنها وزير الخارجية، وذلك من خلال اشارة روحاني الى امكانية هذا الحوار على اساس احترام الاتفاق السابق، كاشفا عن رسائل من ترامب وصلته عبر قادة اربع (4) دول كبيرة خلال تواجده في واشنطن للمشاركة في اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة.

التصعيد المتبادل، والوصول بالامور الى حافة الهاوية والمواجهة – غير المباشرة وبأدواة تابعة او حليفة- لا يلغي وجود مفاوضات وتفاهمات غير مباشرة بين الطرفين، ولعل ابرز ما يدلل على ذلك الحرص الايراني والامريكي على عدم وصول الامور بينهما في العراق الى حد "الكسر"، ما يعني ان الطرفين كانا حريصين على التوصل الى تفاهمات تضمن الحد الادنى لكل منهما في التسوية السياسية في هذا البلد.

اما في الموضوع السوري، فيمكن القول ان ما حققته ايران ميدانيا – سياسا وعسكريا- لم يترك لواشنطن سوى البحث عن مخارج لضمان بقية نفوذ في هذا البلد تتقاسمه مع طهران وموسكو، ان كان مباشرة او عبر العلاقة المتوترة مع تركيا وتوظيف العامل الكردي في هذا الاطار.

وتدرك ايران انها تحولت الى حاجة امريكية في مساع حل الازمة اليمنية ووضع نهاية للحرب العبثية التي يشهدها هذا البلد، وهي ستحاول وضع شروط لاي تعاون في هذا الاطار، اقلها ضمان وجود دائم لها في هذا البلد وفرض حليفها الحوثي كشريك اساس في الحل السياسي بما يعادل حجمه الديموغرافي والعسكري والعددي. على ان يبقى الموضوع الاسرائيلي مفتوحا على المستجد المرتبط بمدى التقدم في كل الملفات ما دون الملف الفلسطيني.