عنان: البراغماتية أم السلطوية؟

شادي لويس
الثلاثاء   2018/01/23
الاستهزاء بخالد علي، في مقابل العقلانية إزاء ترشح عنان، فيه تعالٍ على المفتقرين للقوة (غيتي)
منذ الإعلان عن نية خالد علي، خوض الانتخابات الرئاسية في مصر، تعرضت حملته لهجوم من منتسبي تيار الإسلام السياسي، في وسائل التواصل الاجتماعي، وكذا في بعض المقالات المنشورة في وسائل الإعلام. مبررات الهجوم مفهومة، ومتماسكة في معظمها. فخالد علي كان ممن دعموا حركة "تمرد" و30 يونيو، وبالتالي فهو متهم بدعم الانقلاب. ومن ناحية أخرى، فإن الكثير من الهجوم ركز على التشكيك في جدية ترشح علي وقدرته على المنافسة، ووصم مشاركته بالانخراط في تمثيلية هزلية تارة، أو بالانغماس في محض خيالات ذاتية، وبيع أوهامها لمؤيديه تارة أخرى. لم يكن الهجوم مفاجئاً على الإطلاق، لكن ما تضمنه من شحنة كثيفة من الغضب، مخلوطة بتعمد تحقير والتبخيس في المرشح المحتمل وحملته، إلى أقصى حد، كانت مبالغة إلى حد كبير. خصوصاً أن أحد الاتهامات المتكررة لعلي، هو أنه لا يحظى سوى بتأييد "شلة" وسط البلد، وأنه بلا إنجاز أو تاريخ، ولا أحد سمع عنه. فإن كان هذا هو الحال، فلماذا كل هذا الغضب، أو بالأولى هذا الاهتمام، وتضييع الوقت للتعليق على شأن هامشي إلى هذا الحد!

في المقابل، ومع إعلان الفريق سامي عنان، نيته خوض الانتخابات بشكل رسمي أخيراً، فإن غالبية الأصوات التي نذرت نفسها في الفترة الماضية لمهاجمة علي، بكل شراسة، تحولت فجأة إلى نبرة أكثر عقلانية وهدوءاً واتزاناً في تناول الخيارات المتاحة في الانتخابات المقبلة. ورغم أنه لا دليل، حتى الآن، على قدرة عنان على المشاركة في الانتخابات بالأساس، وبالأخص بعد ما حدث لشفيق بعد الإعلان عن نيته للترشح، فإن هذا لم يوقف سيل التنظيرات عن التحالف التكتيكي معه، ومساندة أي تنافس داخل أقطاب النظام، واللعب على تناقضاته وغيرها.

يظل خيار التكتل خلف عسكري سابق، مثل عنان، وعدم التعويل على مرشح يساري علماني مثل خالد علي، خياراً له أسباب تحمل الكثير من الوجاهة، سواء لمنتسبي الإسلام السياسي أو غيرهم. لكن ما يلفت الانتباه، هو التسامح والمرونة التي تُبدى تجاه عنان وخلفيته وتاريخه، في مقابل قدر عنيف من الغضب والتشفي وتعمد الإيذاء الموجه ضد خالد علي و"شلته". فالأمر قطعاً يتجاوز مسألة الخيار البراغماتي وحسابات المنفعة والواقعية السياسية. ورغم أن تيار الإسلام السياسي، لا سيما جماعة الإخوان المسلمين، لطالما وصف بالبراغماتية، كوصمة أحياناً وكمديح في أحيان أخرى، فإن أحداث سنوات ما بعد الثورة أثبتت هشاشة هذه الفرضية. فتلك البراغماتية اقتصرت على التعامل النفعي مع الخصم الأقوى، كلما كان ذلك ممكناً، والتحول إلى خيارات انتحارية في مواجهته في النهاية، وفي الحالتين، يظل كل من المنافسين والحلفاء المحتملين، دون الاستحقاق للتعامل النفعي، طالما نُظر إليهم كطرف أضعف. فالأمر يبدو توقيراً للقوة، وتمادياً في التعالي على من يبدون مفتقدين لها، أكثر من أي شيء آخر.

وقد شغلت ثنائية توقير القوة، المقترنة بسحق لمن هو أدنى في تراتبيتها، منظّري مدرسة فرانكفورت بعد الحرب العالمية الثانية. فمحاولة فهم الفاشية، وما ارتبط أو اقترن بها من جرائم، كانت قد قادت إيرك فروم إلى مصطلح "الشخصية السلطوية"، وهو نسب ذلك الاستعداد للتماهي مع القوة والانسحاق أمام ممثليها، مع الميل إلى سحق الضعفاء والتعالي عليهم، إلى طباع شخصية تتشكل في مرحلة الطفولة المبكرة. لكن تنويعات على تلك الفكرة أكثر معاصرة، مثل ميل "المحافظة السياسية"، أخذت مسافة من التفسيرات الفرويدية، والمنطق الفردي لـ"إرادة القوة"، لمصلحة تفسيرات أكثر اجتماعية. فذلك الميل للسلطوية، يتأسس على خطابات وصور وعمليات ومؤسسات اجتماعية تتميز بهيراركية صارمة، ولا ترى في علاقاتها سوى منطق الخضوع والإخضاع، وسلسلة من العلاقات القهرية التراتبية الواجبة.

هكذا، وبينما لا تبدو لعنان فرص أكبر من غيره، ولا يظهر دليل على أنه قادر على دخول الانتخابات بالأساس، فإن منطقاً سلطوياً يتخلل معظم التيارات السياسية في مصر، إن لم يكن جميعها، يبدو كافياً لدفع الكثير من معارضي النظام، لتأييد مرشح عسكري، له هالة السلطة، ولو حتى بشكل متخيل، والتمادي في تحقير ومهاجمة من يبدو مفتقداً لتلك الهالة وألقها، باسم البراغماتية والمبدئية في آن واحد، وعلى العكس من كلاهما أيضاً.