كلور الغوطة

فايز سارة
الأربعاء   2018/01/17
استخدم النظام السوري سلاح الكلور السام في هجومه الأخير على الغوطة (غيتي)
وفق أخبار معارك الغوطة الشرقية، أكدت مصادر متعددة أن قوات الأسد استخدمت، مرات، غاز الكلور السام في المعارك الجارية على جبهة حرستا، في جملة الأسلحة التي استخدمها النظام ضد قوات المعارضة هناك وضربت كلاً من حرستا ودوما. ولم يقتصر تأثير الكلور على المقاتلين، وانما أصاب عشرات المدنيين، بينهم نساء وأطفال في دوما وحرستا المحاصرتين منذ سنوات، وأخرجت معظم مشافيهما الميدانية من الخدمة في ظل انعدام الأدوية والتجهيزات اللازمة لمعالجة المصابين.

واستخدام الكلور السام في الغوطة، يرجح قيام النظام باستخدامه في المعارك الجارية في الشمال السوري ضد قوات المعارضة والتجمعات المدنية هناك في ضوء الخسائر التي منيت بها قواته في مواقع متعددة، وعجزه عن تحقيق اهداف هجومه، وقد يزيد على استخدام الكلور، ما هو أكثر تأثيراً من الأسلحة الكيماوية، إذا سارت الوقائع الميدانية على ما هي عليه حتى الآن.

وتعيد مجريات ما يحصل على جبهة الغوطة، واحتمالات معارك الشمال، الى الاذهان، ملف السلاح الكيماوي للنظام والذي استخدمه طوال السنوات السبع الماضية، من دون ان يجد ما يمنعه من استخدام الأسلحة المحرمة دولياً، ويفرض إيقاع أقصى العقوبات بحقه لجرائمه وفق القانون الدولي.

أسس نظام الأسد لسلاحه الكيماوي في العام 1971 في عهد الأسد الأب، من خلال مركز البحوث العلمية، وتم تطوير الترسانة الكيماوية بالتعاون بشكل أساس مع روسيا وكوريا الشمالية، سواء لجهة استيراد المواد الكيماوية، أو لجهة تصنيعها وتأمين تخزينها في أكثر من 22 مقراً. وكان هدفه الأساس البحث عن موازن استراتيجي لقوة النظام في صراعاته الإقليمية، خصوصاً في موضوع الصراع مع إسرائيل. لكن ثبت أن السلاح الكيماوي لنظام الأسد، لم يستخدم إلا ضد السوريين خلال السنوات السبع الماضية رداً على ثورتهم في مواجهة نظام الاستبداد والقتل والتهجير والتدمير.

استخدم نظام الأسد الأسلحة الكيماوية ضد السوريين مع بداية الثورة بصورة محدودة، ولم يكن ذلك يمثل استجابة للحاجات الميدانية فحسب، وانما كان نوعاً من اختبار رد الفعل الإقليمي والدولي على هذا السلوك. ولما بدا لنظام الأسد أن المجتمع الدولي غير مهتم باستخدامه الأسلحة الكيماوية في حربه، ارتكب جريمته الأكبر في مذبحة الغوطة الكيماوية، حيث قتل وأصاب في هجمات آب 2013 أكثر من 1600 من سكان الغوطة، بينهم مئات الأطفال والنساء، وقد تمخض رد الفعل الدولي عن اتفاقية هشة روسية –أميركية خلاصتها تسليم النظام لترسانته الكيماوية في مقابل التخلي عن محاسبته عن الجريمة. ثم جاءت النتائج التطبيقية للاتفاقية، لتثبت بأن النظام لم يسلم ترسانته، وإنما احتفظ بقسم منها تحت سمع العالم وبصره، وسط تواطؤ دولي شبه معلن، قبل ان يعود الى استخدامها مجدداً على نحو ما ظهر في هجومه الكيماوي على مدينة خان شيخون في نيسان 2017، حيث قتل وأصيب نحو 500 شخص،  أكثرهم من النساء والأطفال، ولم يتعدّ رد الفعل الدولي قيام الولايات المتحدة بتوجيه ضربة صاروخية لقاعدة مطار الشعيرات العسكرية، حيث انطلقت الطائرات التي هاجمت المدينة، وقد أصدرت الأمم المتحدة تقريراً، أكدت فيه مسؤولية نظام الأسد عن الهجوم، من دون أن يترتب على ذلك اي خطوات عملية على طريق معاقبته.

إن الأسباب الرئيسية لهذا المسار حيال سلاح الأسد الكيماوي، متعددة، لكن الأهم فيها هو الحماية الروسية خصوصاً لجهة استخدام الفيتو في مجلس الأمن لمنع أي قرار يتضمن عقوبات على النظام. والسبب الثاني، يمثله تساهل دولي إزاء جرائم النظام الكيماوية، بما فيها تساهل الدول المسماة "أصدقاء الشعب السوري" وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي طالما أثبتت الأحداث العالمية أنها لم تكن مرهونة دائماً لقرارات مجلس الأمن، على نحو ما حدث في الحرب على نظام صدام حسين، فشكلت آنذاك تحالفاً دولياً للحرب عليه تحت ذريعة أسلحته الكيماوية.

والتقصير من جانب المعارضة السورية في العمل على ملف السلاح الكيماوي للنظام، هو أمر واقع، وهو جزء من حقيقة تخبطها السياسي والميداني الذي لم تستطع ان تخرج منه رغم التجربة المرة التي سارت عليها خلال السنوات السبع الماضية، متماثلة في ذلك مع الموقف العربي المتخبط في التعامل مع القضية السورية وملفاتها، سواء المعقدة او الأقل تعقيداً، كما هو ملف السلاح الكيماوي لنظام الأسد.

وبصورة عملية، فإن مسار التعامل مع نظام الأسد في استخدامه الأسلحة الكيماوية، ونتائجه، يشجع النظام على الاستمرار في استخدامه. وهي الحقيقة التي تثبتها هجماته الأخيرة بغاز الكلور في جبهة حرستا في الغوطة، وتسمح له، اذا أراد، أن يستخدمها مجدداً في المعارك الجارية وضد التجمعات السكانية في الشمال السوري. وعليه، فليس غريباً أن يصحو العالم على جريمة كيماوية مروعة، يرتكبها نظام الأسد في يوم قريب مقبل.