صواريخ طهران وحدود المخاطرة

علي العبدالله
الأربعاء   2017/06/21

لم يأت القصف الصاروخي الإيراني(ستة صواريخ "ذوالفقار" و "قيام" أطلقت من قواعد في محافظتي كرمنشاه وكردستان غرب البلاد نحو محافظة ديرالزور شرق سوريا، قطعت نحو من 650 كم، قالت مصادر في المعارضة أنها سقطت قرب المياذين وفي بادية الشعيطات دون أن تصيب أهدافها، في حين قال الحرس الثوري إنها حققت إصابات مباشرة ضد اجتماع لإرهابيي "داعش" ومستودعات ذخيرة) ردا على هجومي طهران الإرهابيين يوم 7 الجاري، وان أعلن الحرس الثوري ذلك، بل أتى ردا على توجهات تتبناها الإدارة الأميركية ضد المشروع الإيراني والتي دخلت حيز التنفيذ، رغم أن الإدارة لم تنته من وضع تصورها وخطتها لمواجهة هذا المشروع، حيث قامت القوات الأميركية في سوريا بإقامة بنية تحتية عسكرية في "التنف" و "الزقف"، قواعد تدريب وتخزين أسلحة، ونشرت أسلحة متطورة فيها(بطاريات صواريخ هيمارس المتطورة، مداها بين 300 و 470 كم، قادرة على حرق هكتارات من الأرض، فهي لا تدمر قوات خصومها البشرية فحسب بل تدمر الألغام المضادة للدبابات والبشر في منطقة شاسعة. وهي "وسيلة إبادة" بخسة الثمن وفاعلة، وفق خبير الشؤون العسكرية الروسي ديمتري ليتوفكينن) ووجهت أربع ضربات للميليشيا الشيعية في منطقة البادية معلنة عن خطوط حمر في بادية الشام تنفيذا لتوجهها منع إقامة ممر بري إيراني يربط إيران بلبنان والبحر الأبيض المتوسط عبر الأراضي العراقية والسورية، ناهيك عن تحضيراتها لإصدار قانون محاسبة إيران والذي يسمح بفرض عقوبات مشددة على صناعة الصواريخ على خلفية خرق الأخيرة لقرار مجلس الأمن بمواصلة العمل على تطوير برنامجها الصاروخي(مشروع قانون "مواجهة أنشطة إيران المهددة للاستقرار"٬ أقره مجلس الشيوخ وأحاله إلى مجلس النواب لإقراره قبل إحالته إلى الرئيس لتوقيعه ليصبح نافذا) وعقوبات على فيلق القدس، على خلفية دوره التخريبي في عدد من الدول المجاورة، مع احتمال وضع الحرس الثوري الإيراني على لائحة الإرهاب الأميركية.

أرادت إيران من العملية الإعلان عن استعدادها للذهاب إلى مواجهة مباشرة دفاعا عن مصالحها ونفوذها، واستثمارها في سوريا والعراق ولبنان، بتدشين عملية انتقال من مرحلة الردع، التي جسدتها التجارب الصاروخية البالستية، إلى مرحلة الاستخدام العملي بضرب أهداف خارج إيران، أول مرة منذ عقود، لإثبات قدراتها الصاروخية بشكل "عملي" و"عملياتي". خطوة اعتبرت جزءا من سياسة حافة الهاوية التي اعتادت على ممارستها.  

لم تكن عملية القصف الصاروخي معزولة فقد شكلت نقلة إستراتيجية ضمن سلسلة خطوات ميدانية تمثلت في حشد مزيد من القوات بالقرب من معبر التنف، والتوجه إلى الحدود السورية العراقية من جانبي الحدود(الحشد الشعبي من الجانب العراقي وقوات النظام والميليشيات الشيعية من الجانب السوري) وفتح ممر ترابي بين سوريا والعراق، والإعلان عن تسجيل نقطة على أميركا بزيارة اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس ومدير عمليات الحرس الثوري في الخارج، إلى الحدود والتقاطه صورا تذكارية مع مقاتلي لواء فاطميون الشيعي الأفغاني في موقع قريب من معسكر التنف حيث تعسكر قوات أميركية وبريطانية ونرويجية، والتصعيد العسكري في درعا، والالتحام بالقوات المدعومة أميركيا في الرقة وريفها الغربي، وتهديد سلامة القوات الأميركية في التنف بقصفها بطائرات دون طيار، "درون" إيرانية الصنع. كل هذا ردا على ما تعتبره عرقلة أميركية لجهودها لإقامة الممر البري إلى البحر المتوسط، من جهة، وتعبيرا عن تمسكها بأهدافها وإصرارها على المحافظة على المكاسب التي حققتها في سوريا والعراق، من جهة ثانية.

جاءت عملية القصف الصاروخي في سياق مواجهة متصاعدة مع الإدارة الأميركية الجديدة التي لم تكتف بوصف إيران بالراعي الأول للإرهاب، وتبنيها الموقف السعودي في صراعها مع إيران، كما ورد في بيانات قمم الرياض في شهر أيار الماضي، بل عادت إلى تبني سياسة تغيير النظام الإيراني، كان اوباما قد أعلن التخلي عنها، الذي أعلن عنها وزير الخارجية في شهادته أمام مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي حيث قال:"ستعمل الولايات المتحدة على دعم العناصر الموجودة داخل إيران، مما قد يؤدي إلى انتقال سلمي للسلطة"، ودخلت في "مسار تصادمي" معها، حيث تكررت المواجهات بين القوات التي تدعمها والقوات التي تدعمها إيران، خاصة في بادية الشام، التي تحولت إلى ساحة مواجهة أميركية إيرانية.

عكست إيران من خلال ردودها المشار إليها أعلاه، وخاصة عملية القصف الصاروخي التي اعتبرها محللون "خيار غطرسة"، توجسها وتخوفها من مرحلة ما بعد "داعش"، حيث ستصبح المواجهة مع الولايات المتحدة وحلفائها حتمية في ضوء تضارب المصالح والخيارات، وسعيها لتحقيق مكاسب إستراتيجية وفرض أمر واقع تقطع به الطريق على التوجهات الأميركية وخياراتها في الإقليم. وهذا قد يدفع إلى مواجهة غير مخطط لها، وفق جوليان برغر في الغارديان البريطانية، في ضوء استعداد الرئيس الأميركي لتوسيع رقعة المواجهة في النزاع السوري، واجتماع رجالات الإدارة على الرغبة في مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.

لكن ورغم "الغطرسة" الإيرانية، وميل القادة الإيرانيين إلى تضخيم قدرات بلادهم واستعداداتها للمواجهة وتحمل تكاليفها دفاعا عن الجمهورية الإسلامية، فان ما بين سطور تصريحاتهم المهددة والمتوعدة ميلا لإيجاد تقاطع ومشتركات مع الإدارة الأميركية بربطهم البرنامج الصاروخي بمكافحة الإرهاب وتنظيم "داعش"، لعل قول وزير الخارجية محمد جواد ظريف: "القدرات الصاروخية الإيرانية تحمي المواطنين بالدفاع المشروع عن النفس٬ وتعزز تقدم الحملة للقضاء على تنظيم "داعش" والإرهاب المتطرف"، وقول رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية، محمد باقري، إن "مواجهة عمليات المجموعات الإرهابية، والتي تحظى بدعم من أطراف في الإقليم، تتطلب تطورا علميا دفاعيا، وإن إيران لا تشتبك مع تلك الأطراف في الوقت الراهن، ولا تنوي ذلك، إنما تبقى معنية بالسباق والمنافسة التسليحية، ولا سيما الصاروخية". خير دليل على ذلك.