خيبة ترامب في إسرائيل

محمد العزير
الخميس   2017/05/25

ما ان حطت الطائرة الرئاسية الأميركية في مطار بن غوريون يوم الاثنين، حتى طارت الابتسامة ومظاهر الفرح عن وجه دونالد ترامب الواصل للتو من الرياض في المملكة العربية السعودية، في ثاني محطة له في جولته الخارجية الرسمية الأولى كرئيس. هذا التغيير الشكلي يعكس، في حالة ترامب السريع الإنفعال، أكثر من تبدل في المزاج، ويبدو ان اختيار السعودية كمحطة أولى لجولته، ساهمت الى حد كبير في رسم علامات الخيبة على وجهه.

لم يكن السبب في ذلك انشغاله بالصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، والذي لم يتطرق اليهما البيان الختامي لقمة الرياض العربية ـ الإسلامية ـ الأميركية، وعلى الرغم من ارتجال ترامب لموقف حاسم يربط بين مستقبل المنطقة وأمن إسرائيل وبين تسوية المواجهة (حسب تعبيره) مع الفلسطينيين واضافته الى اول خطاب رسمي له، وعلى الرغم من امتداح ترامب للموقف العربي "المشجع" الراغب في السلام في الخطاب نفسه، وعلى الرغم من الإعلان عن تأجيل البت في مسألة نقل السفارة الأميركية الى القدس، تهربًا من وعده الإنتخابي الحاسم، وعدم الإعلان عن الاعتراف بالقدس عاصمة ابدية لإسرائيل، لم يكن ذلك هو السبب.
كذلك لم يكن السبب في التقارير الصحفية التي كشفت ان ترامب افشى الى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال اجتماعهما في واشنطن السبوع قبل الماضي، بمعلومات استخبارية فائقة الحساسية مصدرها الإستخبارات الإسرائيلية، حيث تولى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بنفسه اسكات الأصوات اليمينية المتشددة في حكومته والتي حاولت تحويل الموضوع الى ملف ابتزاز لترامب، مقابل تأكيد ترامب بنفسه أنه لم يذكر إسرائيل وان التقارير غير صحيحة.

ليس سرًا أن العامل الشخصي هو الأكثر أهمية بالنسبة لترامب، ولم يكن المصدر الرسمي الإسرائيلي، الذي استبق الزيارة بالتأكيد لوكالات انباء عالمية ان إسرائيل ليست في وارد التنافس مع المملكة العربية السعودية على خطب ود ترامب، بعيدًا عن اجواء المخاوف الحكومية من الإنطباع الذي سيكوّنه الرئيس الأميركي بالمقارنة مع انطباعه الرائع الذي خرج به من المملكة، وهو فارق يمكن ان يفوق بدرجات الفارق في موسم الانتخابات الأخيرة بين الغزل والود والتعاطف مع إسرائيل، وبين الهجوم بلا هوادة على الإسلام والمسلمين الذين اجتمع جل قادتهم في قمة الرياض.
ففي المملكة ولأسباب ذاتية وتكوينية مصحوبة بحماس واضح للتغيير السياسي "الهجومي" الذي يمثله ترامب على النقيض من سلوك سلفه "المتردد والمنكفئ" باراك أوباما، حظي ترامب بمعاملة ملكية تعني له الكثير، وهو المعروف بحبه للبذخ والمظاهر والأبهة. كان منذ لحظة وصوله محط حفاوة استثنائية، حلّ في قصور منيفة واحيط بكل مظاهر التكريم وأقيمت له مواكب يتقدمها الفرسان في استعادة لصورة قصص ألف ليلة وليلة المطبوعة بثبات في اذهان الأميركيين عبر الكتب والمسلسلات والأفلام. مٌدت له موائد عامرة بكل ما لذ وطاب، دون ان ينسى المضيفون اكلاته البسيطة المفضلة التي قدمت له على اطباق من ذهب وفضة.
كيفما اتجه كان محاطًا بأمراء ومسؤولين يعرفون أميركا كمعرفتهم لبلدهم، واينما حل هو واي فرد من اسرته كانوا موضع عناية وترحيب، وقدمت إليهم الهدايا الثمينة والضيافة الفاخرة. لم تكن هناك مؤتمرات صحافية تفتح المجال لـ “شغب" المراسلين واسئلتهم، ولم يكن هناك في جدول الأعمال سوى اجتماعات محددة ومنضبطة لا معارضة فيها ولا سجال، وفوق ذلك منحته زيارة المملكة فرصة استعادة بعض وهجه كمرشح من خلال تقديم نفسه كتاجر ماهر وصانع فرص عمل واستثمار. تمكن في الرياض من إتمام صفقات بمليارات الدولارات، وحرص على تكرار تعبير وظائف وفرص عمل ليؤكد لسامعيه في اميركا انه ينفذ وعوده. هي ثلاثة أيام جعلت واشنطن بقضاياها السياسية ومناكفاتها الحزبية وملفات التحقيق والفضائح المتدحرجة تبدو بعيدة جدّا، لم يخف ترامب المسكون بهاجس النرجسية والشخصانية فرحه بذلك.
مقابل ذلك كان الوصول الى إسرائيل كعودة الى الواقع، الى مواجهة الحقائق والصحافة والمشاكل. بدا ترامب في إسرائيل على النقيض من مظهره في الرياض. وعود انتخابية لم تتحقق. لم تنتقل السفارة الى القدس. لم يتم الإعتراف بالقدس كعاصمة للدولة اليهودية. لم تتم مباركة الإستيطان. لم ينسف حل الدولتين. وحتى في الموضوع الإيراني الذي يفترض انه موضع اتفاق تام بين ترامب ونتنياهو، صار مربوطًا بحل القضية الفلسطينية، وكان على ترامب ان يزور أراضي السلطة الفلسطينية ويلتقي رئيسها محمود عباس، فيما كانت الصحافة تلاحقه في كل خطوة وكأنها تعيد تذكيره بأنه على موعد قريب للعودة الى عاصمته ليواجه الموسيقى القديمة ذاتها.
حتى في الجانب المالي لم يكن لدى ترامب ما يعلنه في إسرائيل. إسرائيل مع اميركا تأخذ ولا تعطي. إسرائيل تطلب ولا تعرض، واليمين الإسرائيلي المسنود الى اليمين الأميركي يتعامل مع أي مسؤول أميركي بصرف النظر عن حزبه وكأنه مدين لإسرائيل. ألم يتحدى نتنياهو أوباما في عقر داره ويلقي كلمة في الكونغرس الذي يؤيد اية حكومة في إسرائيل أكثر مما يؤيدها الكنيست. في إسرائيل كان على ترامب ان يواجه أسئلة سياسية ومطالبات لا تتوقف، ولم يكن لديه شيء جيد ليعرضه على جمهوره.
لو كانت المسألة تتوقف بانتهاء الزيارة لهان الأمر، الا ان مخاوف مؤيدي إسرائيل في واشنطن مبنية على ان الإنطباع غير الجيد الذي سيعود به ترامب الى واشنطن سينعكس على مسار العلاقة بين الدولتين لفترة طويلة، وقد يساعد في ذلك حقيقة ان الكثيرين من المقربين الى ترامب جاءوا من خلفيات ان لم تكن معادية للسامية بشكل معلن، فهي على الأقل، ومن منطلق شعار "اميركا اولًا" غير متحمسة للمساواة في التعامل بين من يستثمر المليارات في اميركا ويشتري منها السلاح والتقنيات بسخاء، وبين من يحمل دائمًا لائحة مطالب لا تنتهي.
قد تحول الاعتبارات التاريخية والسياسية والثقافية دون حدوث انقلاب في مسار العلاقات الأميركية الإسرائيلية، وقد يدخل في باب التمنيات أن يضع ترامب حدًا للغطرسة الإسرائيلية بناء على انطباعاته، وقد سبقه عدد من الرؤساء الذين كشفت مذكراتهم وملاحظاتهم انهم لم يكونوا يكنّون الود لإسرائيل كدولة  او اليهود كشعب، الا ان اثار الزيارة لن تمحى بسهولة وسيكون على سفارة اسرائيل في واشنطن وعلى ما يعرف بـ"اللوبي الصهيوني" أن يضاعفوا جهودهم للحد من السلبيات، وستحمل الأيام القليلة المقبلة مؤشرات أولية على مآل العلاقة.