جاسوسة اسرائيلية تعرفنا

مهند الحاج علي
الجمعة   2017/05/26

قبل أيام، رحلت الجاسوسة الاسرائيلية شولاميت كشك كوهين المعروفة بـ"شولا" و"لؤلؤة الموساد"، عن عمر يناهز المئة عام (مواليد عام 1917). نظراً لشهرة هذه المرأة، ومكانتها المحفورة في الذاكرة الاسرائيلية كبطلة قومية، اهتمت وسائل الاعلام العبرية بالحدث، لكنه مرّ خجولاً في لبنان بخبرين مترجمين.

والمشكلة هنا أن تغطية الإعلام الاسرائيلي ركّزت على سيرتها الاستخباراتية والشخصية، أي ذاك الشق المرتبط بصناعة أسطورتها كبطلة في الوعي الجمعي الاسرائيلي. لكن في السيرة المكتوبة لهذه الجاسوسة التي عاصرت عهود 3 رؤساء لبنانيين منذ الاستقلال، روايات مثيرة للاهتمام عن الفساد أيام ”الزمن الجميل“.

والسبب أن "شولا" توغلت في المجتمع اللبناني، وبنت علاقات بأركانه المالية والسياسية. وقد يُعزى نجاحها في ذلك إلى أنها شخصية غير عادية كما توحي نشأتها وخلفيتها الاجتماعية.

"شولا" كانت في الـ16 من عمرها عندما زوّجها أهلها المقيمون في القدس لتاجر قماش يهودي في بيروت، يكبرها بعشرين عاماً. والدها، وهو أب لـ12 طفلاً، لم يتردد في "بيعها" دون استشارتها عندما تدهورت أوضاعه المالية. 

وهذا التحول من ضحية إلى شخصية مؤثرة، يُمثّل إحدى نقاط الإثارة والجاذبية في قصة هذه الجاسوسة الاسرائيلية. أنها، وعند تجنيدها، كانت أمّاً لستة أطفال في الـ27 من عمرها، زادوا واحداً لاحقاً. وشولا تروي في قصتها الصادرة بعنوان ”الاسم المُشفر: اللؤلؤة“ والمكتوبة بقلم الصحافيين الاسرائيليين أفيزر غولان وداني بينكاس، قصة زواجها المبكر بالتفصيل، بصفتها حادثة مؤسسة في حياتها.

الكتاب يدور حول حياتها ونشاطها الاستخباراتي في لبنان وعلاقاتها مع شخصيات رفيعة المستوى من رئيس الجمهورية فما دون، خدمة لمصالح تل أبيب. بيد أن ”شولا“ أدارت شبكة للموساد الاسرائيلي في بيروت لفترة 14 عاماً، وكان بين مهامها جمع معلومات عسكرية وسياسية حساسة وتهريب مهاجرين يهود عرب إلى الدولة العبرية. 

تأريخها للفساد اللبناني يبدأ بالعلاقات الاجتماعية، إذ أن مدخلها للنخبة السياسية والأمنية اللبنانية، كان رجل أعمال فاسداً تُسميه في الكتاب ”أبو سعيد“، حقق ثروة سريعة واستغلها لمراكمة النفوذ. كان ”أبو سعيد“ صاحب كازينو، ويملك نفوذاً وهيبة حتى عند شرطي المرور الذي يُوقف ترام النقل العام لو رأى سيارته الفارهية الأميركية-الصنع تقترب. حتى أن زوج شولا، التاجر جوزف كشك، تفاجأ بأن مصرفاً لبنانياً سهّل له أعماله بعدما استضاف ”أبو سعيد“ وشُوهدت سيارته تحت المنزل. مقابل هذه التسهيلات، طلب مدير المصرف من كشك، أن يذكره بالخير أمام ”أبو سعيد“.

وهذا النفوذ والسلوك الفاسد في نهاية عهد الاستقلال. في إحدى حفلات ”أبو سعيد“ في قصره بمحلة المصيطبة، حضر ضابط رفيع في الجمارك. استقبله ”أبو سعيد“ وعرّفه الى صديقته ”شولا“، ومازحه أمامها قائلاً: ”أتحداك أن تجد هنا زجاجة واحدة مرّت بالجمارك“. أجابه الضابط، ”لن أجد، وربما تُدير الكازينو أيضاً من دون رخصة“. كم تُشبه هذه الرواية حالنا اليوم؟

المسألة الثانية اللافتة في سيرة شولا، رواية اعتقالها الأولى عام 1952 بتهمة التهريب، إذ أُفرج عنها لتعاود نشاطها لفترة 9 سنوات متتالية. والمفارقة أن وراء التحقيق الأول نقيباً في مخفر قريطم يُدعى حسن نصر الله. شولا واجهت نصر الله بعلاقاتها، إذ تحايلت على القضاء وساعدها في ذلك أبو سعيد بنفوذه في وزارة الداخلية. روايتها عن التزوير والتحايل في ذلك الزمن، جديرة بالتمعن. 

بيد أن شولا تسللت من هذه الثقافة، للحصول على معلومات لمستخدميها، مُستغلة الكازينو وثقة جيرانها اللبنانيين اليهود المقيمين في وادي أبو جميل. وفي عهد محاربة هذه الثقافة وتأسيس مؤسسات الدولة، إبان عهد الرئيس الراحل فؤاد شهاب، انتهى نشاط شولاميت كشك كوهين (شولا) باعتقالها بتهمة التجسس عام 1961 ثم تسليمها لإسرائيل بعد سنوات في صفقة تبادل شملت الافراج عن 4 جنود لبنانيين.

شولا رحلت وأبو سعيد باق ويتمدد.