إثقبوا طبول الحرب!

مهند الحاج علي
الجمعة   2017/04/28

”حروب الشرق الأوسط تندلع في الصيف عادة“. هكذا بدأ أحد الصحافيين الغربيين مقاله عن التوتر غير المسبوق بين اسرائيل وحزب الله. ليس هذا الصحافي وحده من يتوقع اندلاع حرب، بل تعج بيروت بمخاوف وشائعات متواصلة، بعضها ردات فعل على الغارات والتصريحات، وبعضها الآخر مبني على معلومات وتقارير أمنية عابرة للحدود.

٣ معطيات أساسية تدفع الى القلق.

أولاً، التوتر غير مسبوق. الضربات الاسرائيلية تتصاعد، وليس صحيحاً أن لا جديداً فيها، وأنها مماثلة لما سبقها من هجمات خلال السنوات الماضية. للمرة الأولى، تكسر الدولة العبرية سياسة الغموض المعتمدة منذ سنوات عديدة، إذ اعترف ضمنياً وزير الاستخبارات الاسرائيلي اسرائيل كاتس بتنفيذ الضربة بعدما قال إنها ”تتماشى تماماً مع سياستنا القاضية بمنع نقل السلاح إلى حزب الله“. لماذا تتخلى اسرائيل عن سياستها المعتمدة، وفي هذا التوقيت تحديداً؟ في هذه الصراحة رسالة مُقلقة. وتيرة الاعتداءات منذ بداية العام، كانت بمعدل مرة شهرياً، حتى آذار (مارس) الماضي حين اتُهمت بتنفيذ ضربتين على غير عادة.

ثانياً، لا يمكن قراءة الزيارة الحالية لوزير الدفاع الاسرائيلي أفيغدور ليبرمان الى موسكو بمعزل عن هذا التصعيد، بل يُحتمل أنها تمهيد لتعديل التفاهم غير المعلن بين الجانبين. لروسيا القدرة التقنية، عبر منصات صواريخ أس 400 الموجودة في الساحل السوري، على وقف الطائرات الاسرائيلية ومنعها من ضرب أهدافها. لكن موسكو تُنسق مع الجانب الاسرائيلي وفقاً لتفاهم يعزل دور حزب الله وايران في الحرب السورية، عن أي مجهود حربي يُهدد اسرائيل. بكلام آخر، لحزب الله مُطلق الحماية في حربه داخل سوريا، لكن أي نشاط يُهدد الأمن الاسرائيلي لا يحظى بحماية روسية.

وإلا لماذا لا تستهدف اسرائيل قوافل الأسلحة والذخائر التقليدية التي تصل مقاتلي حزب الله دورياً على الجبهات؟ الاعتداءات الاسرائيلية اقتصرت حتى الآن، إما على اغتيالات ذات طابع أمني ويُعتقد بأن لها علاقة بجهود التأسيس لفتح جبهة الجولان، أو على تدمير مخازن وشحنات الأسلحة غير المرتبطة مباشرة بحرب سوريا مثل صواريخ ياخونت الروسية المضادة للسفن الحربية.

بحسب الصحافة الاسرائيلية، فإن زيارة ليبرمان تهدف بالأساس الى توكيد الخط الأحمر الاسرائيلي الجديد: ممنوع وجود أي عناصر ايرانية أو موالية لطهران مثل حزب الله على الحدود مع اسرائيل. بيد أن ”الهم الاسرائيلي الأساسي“ اليوم يقضي بمنع أي محاولة لفتح جبهة مغلقة منذ 44 عاماً. وتل أبيب لا تخشى التصعيد في المواجهة مع القوات الايرانية بقدر خوفها من احتمال اقحام روسيا في مثل هذا الصراع لو انتهكت التفاهمات السرية معها (تردد أن موسكو احتجت الشهر الماضي على اقتراب الصواريخ الاسرائيلية قرب تدمر من قاعدة عسكرية روسية). 

لكن إذا كانت روسيا لا تُبالي بضربات اسرائيلية ضد حزب الله بما لا يؤثر في أدائه على جبهات الحرب السورية، هل تُمانع حرباً معه في لبنان؟ هناك من يعتقد بأن ليبرمان يبحث في موسكو عن إجابة لهذا السؤال. 

ثالثاً، جولة ”حزب الله“ على الحدود، والتصريحات النارية، أسهمت في تأجيج التوتر. قد تكون النوايا ردعية ولإظهار ثقة في النفس، إلا أن أي خطوة استفزازية كفيلة بإشعال فتيل الحرب. ليس للبنان أو لحزب الله مصلحة في مواجهة مدمرة مع اسرائيل اليوم. في المقابل، ترى تل أبيب في أي حرب فرصة تاريخية عليها اقتناصها قبل فوات الأوان، وتحديداً عودة الحزب منتصراً من حرب سوريا. حجة الحرب مهمة أيضاً.

لذا فإن التهديدات من الجانب اللبناني وسط كل هذا التوتر والمخاوف، قد تُحوّل الشائعة إلى ”نبوءة تتحقق ذاتياً“. إثقبوا طبول الحرب قبل أن تبتلعكم.