علويو سوريا الجدد

إياد الجعفري
الأحد   2017/04/02

تعلم جميع الأطراف المتصارعة في سوريا، محلية كانت، أم إقليمية، أم دولية، جملة الحقائق الموضوعية، الديمغرافية واللوجستية والاقتصادية، التي تحكم الأفق البعيد للتمدد الحالي للأكراد، برعاية دولية، في شمال البلاد.

فالأكراد أنفسهم، يعلمون أنهم دخلوا في مرحلة مختلفة تماماً عن تلك التي كانت تشكل هاجس وعيهم لعقود. فهم اليوم لا يسعون للسيطرة على مناطق تمركزهم الديمغرافي، تاريخياً، في سوريا. بل هم يبتعدون عنها، باتجاه مناطق ومساحات يشكلون في مجملها أقلية ديمغرافية لا تذكر. بينما يشكل العرب غالبية سكانها.

كما يعلم الأكراد، بطبيعة الحال، أن حالهم في شمال سوريا، لن يكون مستقبلاً، أفضل من حال نظرائهم في شمال العراق. فالمتنفس الاقتصادي واللوجستي الرئيس لهم، سيتمثل في تركيا، شمالاً. إلا إن حظوا بتوافق مع مكونات الداخل السوري.

تلك حقائق يعلمها الأتراك والإيرانيون أيضاً. كذلك يعلمها الروس والأمريكيون، من دون شك. وحينما نصل إلى اللاعبين الدوليين، روسيا وأمريكا، تتبادر التساؤلات في الأذهان. لماذا يدعم الطرفان، بإصرار غريب، التمدد الكردي في شمال سوريا، باتجاه مناطق لا يشكل فيها الأكراد ثقلاً ديمغرافياً؟

يجيب الأمريكيون على ذلك، بأن ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية"، التي يعلم الجميع أن قوامها كردي، وأن العرب فيها مجرد "تطعيم"، لا أكثر، هي الرديف البرّي الأجدر في حربهم ضد "داعش". لكن، ما دام الأتراك قد عرضوا البديل، وهو متاح ومتوافر، ويحظى برديف برّي عربي، يتقبله سكان المنطقة بأريحية، لماذا يتجاهل الأمريكيون هذا البديل؟، أو ينتقصون منه؟

بطبيعة الحال، يمكن أن نطالع في مراكز البحث الأمريكية الكثير من التأويلات، من قبيل، أن كفاءة "قوات سوريا الديمقراطية"، المُجرّبة، هي التي دفعت الأمريكيين للاعتماد عليهم. لأن ذلك أسرع بكثير من الخيار التركي، حسب وصف تلك التأويلات.

لكن، بين كتابات مراكز البحث والخبراء في أمريكا أنفسهم، نجد من يُقرّ بأن الأكراد سيواجهون صعوبات جمّة في الإمساك بالأرض، وإدارتها، بعد إزاحة "داعش". لأسباب عديدة، ليس أقلها، المساحة الواسعة التي لا يملكون فيها مرتكزات ديمغرافية متوافقة معهم.

رغم ذلك، يصر الأمريكيون على الخيار الكردي، ويتجاهلون الخيار التركي، بذرائع مختلفة. فلماذا؟

قد تكمن إحدى الإجابات في نوايا الأمريكيين المبيتة لإيجاد قوة محلية سورية تشكل حليفاً للأمريكيين. كما أن للأتراك حلفاءهم في العمق السوري، وكذلك للروس والإيرانيين. الأمر ببساطة، أن الأمريكيين يريدون تعزيز قوة يعتبرونها حليفاً مضموناً في الداخل السوري، يمكن لهم الاعتماد عليها في ضمان مصالحهم، والمشاركة في رسم لوحة المستقبل السوري.

لكن، في خضم هذا السعي الأمريكي، يبدو أن التأسيس جارٍ لتكرار تجربة "غلبة الأقلية على الأكثرية" في سوريا. بما يؤسس لسوريا منقسمة على نفسها.

فسوريا التي عرفناها لعقود، في ظل حكم آل الأسد، كانت ضمانة استقرارها الرئيسية، هي استمرار غلبة "العلويين" على باقي المكونات. لذلك، حينما تهددت تلك الغلبة بصورة نوعية، رأينا سوريا التي نعرفها تتهاوى.

لم تكن "سوريا الأسد"، يوماً، مستقرة، وفق معايير الاستقرار المُستديم. هي مستقرة باستقرار "الغلبة". وهي غلبة لأقلية على أكثرية. أي أنها غلبة مهددة، وبالتالي، هي دولة مهددة الاستقرار. والأخطر من ذلك، أن الطرف الذي يحقق "الغلبة"، "العلويون"، أنفسهم، كانوا مهددين طوال عقود بأي حراك مناوئ لهم، لذا تجد أنهم جندوا معظم أبنائهم في أجهزة القسر من "أمن وجيش"، لضمان استمرار "غلبة" الطائفة على باقي مكونات النسيج السوري.

في الحالة الكردية. إذا ذهبت الأمور إلى مداها الأقصى، وفق السيناريو الأمريكي البادي للعيان حالياً، يبدو أن الأكراد سيكونون، "علويي" سوريا الجدد. وبدلاً من تقسيم سوريا، يمكن التأسيس لدولة، يشكل المكون العسكري والأمني الكردي، قوام إستقرارها الرئيس. مما يعني أن الأكراد سيكونون مضطرين لتجنيد معظم أبنائهم في أجهزة القسر من "أمن وجيش"، لضمان استقرار غلبتهم.

قد يكون سيناريو مغرقاً في التشاؤم. لكن، من قال بأن الأمريكيين يريدون تقسيماً ناجزاً لسوريا. وأين مصلحة الأمريكيين في دعم كيان كردي محاصر في الشمال السوري، على غرار نظيره في العراق؟، بل، أين مصلحة الإيرانيين والروس في دعم كيان علوي عاجز عن الحياة اقتصادياً إلا بتمويل إيراني مستمر؟

لا مصلحة لأي لاعب دولي أو إقليمي في تقسيم سوريا، لأن الحصيلة ستكون، كيانات ضعيفة محتاجة للدعم الخارجي، وبذلك، تتحول تلك الكيانات إلى مُستنزف لداعميها، بدلاً من أن تكون مصدراً لنفع يعود عليهم.

سوريا الموحدة، تلك التي تتنازع حكمها نخب متنافرة، يرتبط كل منها، بقوة خارجية، ويمثل مصالحها، هو السيناريو الأمثل لمختلف اللاعبين الخارجيين. ووفق تلك القاعدة، يبدو أن الأمريكيين يرون في الأكراد ممثلهم الأضمن في سوريا المستقبل، تلك.