موسكو: جيكل وهايد

علي العبدالله
الأربعاء   2017/03/08

أنطوى الموقف الروسي من ثورة الحرية والكرامة في سوريا على موقف عدائي صرف. فقد تدخلت روسيا في الصراع الداخلي، الذي جسدته التظاهرات السلمية التي نادت بالإصلاح السياسي كمدخل لصون حقوق المواطنين وحفظ كرامتهم في بلادهم، من بدايته وانخرطت بلعب دور كبير ضد تطلعات الشعب السوري بتبني رواية النظام عن مؤامرة كونية ضده، وبمده بدعم عسكري واستخباري ومالي، وتغطيته سياسيا ودبلوماسيا عبر منع إدانته وتجريمه على استخدامه العنف المفرط ضد متظاهرين سلميين، واستخدمت لذلك حق النقض(الفيتو) عدة مرات (بلغ العدد 7 حتى الآن)، وصنّفت الثورة السورية ضمن ما تسميه "الثورات الملونة"، اعتبر وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو كل ثورات الربيع العربي "ثورات ملونة"، ما يعني أنها من صنع الغرب، وربطت موقفها بالقانون الدولي الذي يحرّم التدخل في شؤون الدول الأخرى، دون اعتبار لأسباب الصراع الداخلي، المباشرة والبعيدة، وخلفية التحرك الشعبي العارم في وجه نظام مستبد وفاسد.

غير أن تطورات الصراع وتحوّله الى صراع في سوريا وعليها، في ضوء تدخل القوى الإقليمية والدولية، والتباين في التصورات والخيارات حول آفاق الصراع ومستقبل سوريا مع النظام والإيرانيين، والمخاطر التي تنطوي عليها وجهات نظرهما المتمسكة بالخيار العسكري حتى سحق المعارضة وتحقيق نصر كامل عليها، دفعتها الى استثمار ثقلها السياسي ودورها العسكري الحاسم في الصراع في فرض مسار تفاوضي، والعمل على تحقيق أهدافها بطرق سياسية، تجنبا لهذه المخاطر وترجيحا لأهدافها الخاصة التي تتعارض بنسبة أو بأخرى مع أهداف حليفيها: النظام وإيران، فكان أن دخلت في مساومة وصفقة مع تركيا لإخراج فصائل معارضة من أحياء مدينة حلب الشرقية مقابل موافقتها على توسيع نطاق عملية "درع الفرات"، وبدء مفاوضات في أنقرة مع قادة فصائل عسكرية معارضة قريبة من الأخيرة للاتفاق على وقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات عسكرية مع النظام كجزء من الحل السياسي للصراع في سوريا الذي تسعى إليه الأمم المتحدة عبر مبعوثها ستيفان دي ميستورا.

فتح الاتفاق على وقف إطلاق النار مع فصائل معارضة في أنقرة باب الدعوة الى اجتماع بين هذه الفصائل ومسؤولين عسكريين من النظام في أستانة.

لم تستطع روسيا تمرير اللقاء برعاية مشتركة مع تركية في ضوء تحرك إيران والنظام ميدانيا في وادي بردى والغوطة الشرقية ومواصلتهما الهجوم في ريف حلب وحمص وحماة ودرعا، ما أضطرها الى إشراك إيران في رعاية اللقاء، لكنها فوجئت بإرسال النظام وفدا سياسيا، وليس عسكريا كما أرادت، برئاسة مندوبه في الأمم المتحدة الدكتور بشار الجعفري الذي شن، ردا على مطالب وفد الفصائل بتنفيذ وقف إطلاق النار في وادي بردى والغوطة، هجوما على تركيا ووصفها بالدولة المعتدية والمحتلة وعلى فصائل المعارضة بوصفها بـ "الإرهابية"، مع مواصلة قوات النظام الهجمات والقصف على مواقع فصائل المعارضة التي شاركت في المباحثات. وكان لافتا أن روسيا التي فشلت في تنفيذ وقف إطلاق النار، الذي ضمنته مع تركيا، عادت الى تحريك آلتها العسكرية ضد فصائل المعارضة، بمن فيها تلك التي شاركت في لقاء أستانة1،  فقصفت مواقعها في حلب وادلب ودرعا وحمص وحماة وريف دمشق، ودعت، في الوقت ذاته، الى جلسة ثانية في أستانة، وكأنها تريد من تحركها العسكري والسياسي وضع فصائل المعارضة تحت الضغط لدفعها الى التنازل والقبول بشروط النظام في الانخراط معه في محاربة "الإرهاب"، وهذا دفع تركيا وفصائل المعارضة الى التعبير عن استيائها بخفض مستوى الوفد التركي وتقليص عدد أعضاء وفد فصائل المعارضة وعدم توقيع تركيا إلا على وثيقة واحدة من بين ثلاثة وثائق عرضت في اللقاء.   

أستمر دورها المعادي في جنيف4، حيث عادت الى الضغط على المعارضة بذريعة عدم القبول بوحدانية تمثيل وفد الهيئة العليا للمفاوضات للمعارضة والمطالبة بوفد موحد يضم منصتي موسكو والقاهرة، ما يعني رفض مطالب الوفد السياسية وتعديلها لتنسجم مع مواقف وفدي منصتي موسكو والقاهرة اللذين عكسا تناغما واضحا مع الطروحات الروسية المنسجمة مع طروحات النظام حول طبيعة الحل المنشود، ناهيك عن المطالبة بدعوة منصة أستانة، واتهام وفد "الهيئة" بالعمل على تخريب المفاوضات، والضغط من أجل مناقشة مسودة الدستور التي صاغها "خبراء" روس، كما ساعدت النظام على طرد "داعش" من تدمر وعلى توسيع سيطرته في ريفي حلب الشمالي الشرقي والغربي.

واصلت روسيا لعب دورها المزدوج تارة بتقمص صورة الدكتور جيكل(الخيّر) وأخرى بتقمص صورة المستر هايد(الشرير)، وفي إطلاق بالونات اختبار حول استعدادها للتنسيق مع واشنطن في محاربة الإرهاب والتعاطي الايجابي مع دعوة الأخيرة لإقامة مناطق آمنة بشرط التنسيق مع النظام لعرقلة أية فرصة لتفاهم تركي أميركي لن يكون في صالح النظام وستستفيد منه المعارضة السورية بالضرورة.  

لن تنجح روسيا في تجاوز مطالب الشعب السوري في الحرية والكرامة لان اتفاقات الإرادة الناقصة، التي لا تقوم على الرضا وتحقيق المصالح، لا حقق الأمن والاستقرار وتُبقى نار الصراع تحت الرماد، وتجربتها في الشيشان دليل ساطع حيث لم يستقر الوضع الى الآن ومازال الصراع قائما والنظام العميل غير مستقر.