دب روسي على كتفي ترامب

دانيال غريب
الأربعاء   2017/03/08

"إلى أي مستوى انحدر الرئيس أوباما بتنصته على هواتفي خلال العملية الانتخابية المقدسة جدا. إنها قضية نيكسون/ووترغيت جديدة. رجل سيء (أو مريض)!.


نعم. هذه تغريدة الرئيس الأميركي الحالي التي تجرأ فيها برمي إتهام بهذا الحجم على رئيس سابق، بلغة تداني البذاءة، ومن دون أن يظهر دليلا.


ليس مخاطرة كبيرة الظن بأن دونالد ترامب يكذب. أولا لأنه لو كان يملك دليلاً ولو صغيراً لكان ضجيج تغريداته وصل إلى كل بيت في الولايات المتحدة. وثانيا، لأن باراك أوباما أذكى بكثير، بكثير، من أن يطلب من وكالة أميركية طلباً مجنوناً مثل مراقبة الخطوط الهاتفية لمرشح رئاسي كدونالد ترامب. إنه يعرف أن مجرد طرح مثل هذا الطلب غير القانوني سيكون بمثابة فضيحة تقضي على إرثه وصورته ومستقبله.


ترامب نفسه يعلم (أو لا يعلم، من يدري!) أن طلباً مثل هذا مستحيل، "إلا إذا كان ما يكفي من الادلة لاقناع قاض فدرالي بأن ترامب قام بجريمة أو أنه يتجسس لصالح دولة أجنبية"، كما جاء في نيويورك تايمز. متحدث باسم الرئيس السابق نفى التهمة بالطبع. والمتحدث السابق باسم البيت الأبيض، جوش ايرنست لخص في مقابلة تلفزيونية زبدة الزوبعة التي أثارها ترامب والتي لم يأخذها أحد حتى اللحظة على محمل الجد: كلما كبرت الفضيحة، كلما  بالغ ترامب  في تصرفاته الشائنة.


سلسة تغريداته التي أطلقها السبت حول الموضوع جاءت بعد تقرير صحافي في الأيام السابقة عن جهد قامت به إدارة أوباما زرعت خلاله أدلة وإشارات تغذي التحقيق حول احتمال قيام مساعديه بالاتصال بالروس خلال حملته الانتخابية. وقد زرعت هذه الإشارات بعناية فائقة لترشد التحقيق وتمنع عن الادارة الحالية التلاعب به أو طمسه. شبح باراك أوباما يلاحق دونالد ترامب، وقد قرر الأخير الانتقال إلى الهجوم، بعد برنامج إذاعي  إستنتج خلاله مقدمه اليميني الداعم لترامب، أن إدارة باراك اوباما تنصتت على الرئيس الحالي خلال حملته الانتخابية. وطلب المذيع من لجنة الكونغرس أن تبحث في هذه القضية. وقد عاد ترامب ليطلب من الكونغرس ما سبقه إليه المذيع.


يفتعل ترامب الضجة العالية لتشتيت الانتباه. الايام المئة الأولى شبه كارثية عليه. الإعلام المناهض له يحصي عليه أنفاسه. يهاجمه كيفما إلتفت أو غرد. نيويورك تايمز وواشنطن بوست تتسابقان يوميا في نشر معلومات جديدة عن مساعديه الذين اتصلوا بالروس خلال الحملة الانتخابية. البرامج الكوميدية اليومية المباشرة لم تهزأ برئيس وإدارته كما تهزأ بترامب والمجموعة الخرقاء التي تحيط به. تلقى أول صفعة شديدة بالقرار القضائي الذي أوقف أمره التنفيذي الأهم، وبالحملة الواسعة التي قامت ضد القرار. قبل أن يرتاح من  إهانة الصفعة الأولى تلقى صفعتين أخريين. مستشاره للأمن القومي مايكل فلين استقال بطلب منه بعدما اتضح أنه كان يتصل بالروس، ثم تبين أن وزير العدل جيف سيشنز كذب في شهادته أمام الكونغرس حين قال إنه لم يتصل بمسؤولين روس. ومع أن ترامب طلب منه ألا يحيد نفسه عن التحقيق في قضية الاتصالات، إلا ان وزير العدل أعلن ذلك من دون حتى أن يستشير رئيسه.


يكاد لا يمر يوم من دون أن تتسرب معلومات من البيت الأبيض، حتى تلك التي تشير إلى غضبه من التسريبات. آخرها كان غضبه العارم من مساعديه لأنهم لم يستطيعوا تسويق "نجاحه الكبير" في خطابه الأخير أمام الكونغرس، والذي لم يكبح جموح الحملة المتعلقة بالملف الروسي ضده. وبعد هدوء ملحوظ لبضعة أيام على توتير، عاد السبت مهاجماً رئيساً سابقاً بشكل غير مسبوق في العرف السياسي الأميركي، في ما يدل إلى أن ترامب عاد إلى  جبهته الوحيدة والأخيرة، والفريدة من نوعها: تويتر. من على هذه الجبهة التي يعول عليها ترامب، إتهم باراك أوباما بالتنصت عليه، ولم ينس أن يقول بين تغريدتين ضد أوباما، إن آرنولد شوارزينغر لم يستقل من البرنامج الذي كان يقدمه بل طرد منه لأنه فشل فيه. غرد ترامب بفاصل دقائق، ضد من ورث منه كرسي الرئاسة، وضد من أورثه كرسي برنامج واقع تلفزيوني.    


دونالد ترامب في مأزق متصل أكبره الملف الروسي الذي لا شيء يوحي بأنه سيغلق، بل على العكس، يبدو أنه كرة ثلج تتدحرج. ثمة دب على كتفي الرئيس وهو دب روسي يتضخم باضطراد. ولن يستطيع الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة إخفاء مثل هذا الدب عن كتفيه، بالتغريد على تويتر. لن تنفع الزقزقة في تخفيف ثقل هذا الدب، أو دفعه إلى الطيران بعيدا عن كتفي ترامب. من سوء حظ الرئيس أن الدببة الروسية لا تطير.