عرب أميركيون في مواجهة ترامب

محمد العزير
الأربعاء   2017/02/08


في ذروة الهجمة الترامبية بالمراسيم التنفيذية لحظر المهاجرين واللاجئين من دول عربية واسلامية، الأسبوع قبل الماضي، وفي عز الهبة النسائية والشبابية والحقوقية والشعبية للتصدي له، أعلنت اللجنة العربية الأميركية لمكافحة التمييز (ADC) عن احتفال يقام في مدينة ديربورن هايتس في ولاية ميشيغن، لتكريم السيدة زينب "عليها السلام" تحت شعار "لا للحظر لا للجدار..حقوق الإنسان للجميع"، على ان يتحدث فيه ثلاثة رجال يظهر من صورهم في الإعلان انهم جميعًا ملتحون.

اثار الإعلان الذي انتشر على صفحات التواصل الاجتماعي أكثر من تساؤل، اولاً بسبب الطبيعة الدينية للمناسبة، وتاليًا لإقتصار المتحدثين على رجال في مناسبة لتكريم امرأة. لم يكن الإتصال بمكتب اللجنة في ديترويت ممكنًا، للرد على الأسئلة، وأفاد أكثر من مصدر معني ان المكتب مقفل عمليًا. الا ان الرد من المركز الرئيس في واشنطن العاصمة لم يتأخر كثيرًا، وأوضح المسؤول الوطني للجنة عبد أيوب في ردود متفرقة على الفايسبوك أن المسألة كانت شبه فورية وان الإعلان لا يعكس حقيقة النشاط ووعد المستفسرين بأن سيدات سيشاركن في الإحتفال دون تحديد أسماء.
تبين لـ "المدن" من مراجعة سريعة، أن الإحتفال في الأصل كان بدعوة من الجمعية الإسلامية العالمية المعروفة اختصارًا باسم "أمة" ومقرها واشنطن، وكان عبارة عن أمسية أناشيد ولطميات حسينية للمقرئ العراقي المعروف باسم الكربلائي. لكن الكربلائي لم يتمكن، لأسباب تتعلق بالتأشيرة، من الدخول الى أميركا فاستعيض عنه بالـ (ADC) باعتبار أن القاعة محجوزة والموعد محدد والجمهور شبه مضمون.

تعكس هذه الواقعة الحقيقية حال العرب الأميركيين في منطقة ديترويت، التي طالما تباهوا بأنها عاصمتهم في اميركا الشمالية، والتي تكتظ بدور العبادة والمؤسسات والشخصيات التي تتنافس، وأحيانًا بشراسة لإقامة حفلات التبرع، والمناسبات الدينية الحاشدة، واستضافة أي ضابط أو مدير أو مسؤول أو ابن مسؤول قد يأتيها من الوطن الأم زائرًا لأسباب شخصية، فتمد له الموائد وتدبج له القصائد والمدائح، وتتزاحم امامه اللفات والقلنسوات والياقات. وفي هذه المنطقة هذا ما آلت اليه أعرق المؤسسات الحقوقية العربية الأميركية التي لعبت دورًا رائدًا في تكوين الوعي الجمعي للعرب الأميركيين.
يبدو العرب الأميركيون، في مواجهة حال ترامب غير المسبوقة في التاريخ الأميركي، من حيث فجاجتها وبدائيتها وعنصريتها، في أسوأ حالاتهم منذ بداية عهدهم بالعمل السياسي والحقوقي، ومع أن انتخاب ترامب، وإن كان مفاجئًا كحدث، فهو لا يمكن ان يكون مباغتًا كحالة، بعد أكثر من 15 سنة على الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من أيلول 2001، وبعد سنة ونصف السنة من حملة ترامب الانتخابية المفعمة بالعنصرية المخصصة ضدهم والتي سبقها سيل لا ينقطع من التحريض اليميني المتزمت والذي اتخذ اشكالاً متعددة قصدت مدينة ديربورن وجوارها بالتحديد لإستفزاز العرب الأميركيين ومضايقتهم، وانتشرت بلا رادع على شبكات التواصل الاجتماعي التي تستضيف عشرات الصفحات المقتصرة على العداء لكل ما هو عربي أو مسلم أو مهاجر من الشرق الأوسط وشمال افريقيا.

لا تخفي شخصيات عربية فاعلة احباطها وتذمرها من الغياب المؤسسي المؤثر في مواجهة الوضع المستجد. يرى حسن جابر، المدير التنفيذي للمركز العربي للخدمات الاقتصادية والإجتماعية (أكسس)، وهي من المؤسسات النادرة التي بادرت الى حملة منظمة لمواجهة سياسة ترامب، ان العرب الأميركيين كأفراد متقدمون في نشاطهم على مؤسساتهم. وإذ يعزو بعض الارتباك الى شراسة الهجمة وانعدام الإمكانات الوافية، يراهن على أن الجيل الجديد من العرب الأميركيين الذين تعرفوا على العمل العام في اطر وطنية ومطلبية وحقوقية شاملة سيسد الفراغ الحاصل مؤسسيًا وأن امساكه بزمام القيادة الميدانية مسألة وقت فقط. وينبه جابر الى ان التحدي الذي يمثله ترامب يتجاوز ايه اثنية او ديانة أو أقلية ويهدد المجتمع ككل وبالتالي ينبغي التعامل معه من خلال الإنضواء في أوسع التحالفات الممكنة وعدم التركيز على النظر الى الذات فقط.
وفي حين يتجنب جابر انتقاد اية مؤسسة بالإسم ويكتفي بالإشارة الى ان الوضع يمكن ان يكون افضل اذا أعاد البعض ترتيب أولوياتهم، لا يتردد ناشر صحيفة "صدى الوطن" وابرز الوجوه العربية الأميركية الناشطة اعلاميًا وميدانيًا الزميل أسامة السبلاني في تحميل المؤسسات الدينية "التي ابتلعت كل شيء" مسؤولية تقسيم الجالية طائفيًا ومذهبيًا، وتركيز اهتمام جمهورها على قضايا فئوية او شعائرية لا علاقة لها البتة بما يهم العرب الأميركيين فعلاً، خصوصًا حقوقهم القانونية والدستورية وتمكينهم سياسيًا. وحول تأثير المواقف السياسية مما يجري في الوطن العربي، خصوصًا الوضع السوري، على امكان التواصل والتنسيق في الجالية يشير السبلاني الى ضرورة الاتفاق على الثوابت المتعلقة بوضع ومستقبل العرب الأميركيين وإعطاء ذلك الأولوية المطلقة على أي امر آخر "لأننا هنا، مستقبلنا هنا، أولادنا هنا... لا يمكن لعاقل ان يقبل أن يتحمس الناس لقضية خلافية في الوطن الأم أكثر من اهتمامهم بأحوالهم".

ويتفق السبلاني في ذلك مع علي جواد، مؤسس النادي اللبناني الأميركي، الذي أعلن الأسبوع الماضي رفضه منحة بقيمة نصف مليون دولار من وزارة الأمن الوطني الأميركية مخصصة لما يسمى "مكافحة التطرف الديني"، نظرًا لما اسماه في بيان مقتضب "المناخ السياسي الراهن"، الا ان جواد يعتبر ان البنية المؤسسية التي ازدهرت قبل الحادي عشر من أيلول انتهت، لكنها تعرقل صعود الوجوه الشابة والجيل الجديد الذي يتعاطى الشأن العام دون رواسب او امتدادات لمشاكل الوطن الأم الكثيرة.
ويستغرب جواد إصرار البعض في المؤسسات الدينية، خصوصًا الإسلامية منها، على استنساخ تجارب الوطن الأم، وهم يرون ما أدت اليه هناك، ويجب ان يعرفوا اثرها المضر هنا، ويستغرب كيف ان مناسبة دينية تصطبغ بلون مذهبي او تحريضي يمكنها ان تجمع الاف العرب الأميركيين، بينما تكون غالبية المشاركين في الإحتجاجات ضد سياسة ترامب في ديربورن وديترويت من غير العرب الأميركيين. ويدعو جواد القيادات القديمة الى التنحي وافساح المجال امام الشباب "لأننا إذا اردنا مواجهة ما يجري في اوساطنا سيتم تكفيرنا".  

عندما تكون أصوات معروفة لثلاثة مسؤولين من مؤسسات انفردت الى حد كبير، بالتحرك الميداني لمواجهة خطر ترامب الداهم، وأصحابها من المساهمين الفاعلين لحقبة العمل العربي الأميركي المؤسسي على الصعيدين المحلي والوطني، بهذا القدر من الإحباط والقنوط، في المعقل الأول للعرب الأميركيين، فذلك يعني ان بقية الحواضر العربية الأميركية ليست بحال أفضل. وإذا كانت الأصوات الرزينة لا تزال تراهن على جيل الشباب وتتحمس لإضطلاعه بالمسؤولية الجسيمة، فإن شخصيات انتهازية ومارقة تجعل الأمور أكثر سوءًا وهي تجهد لتقديم مواقف وخدمات مجانية للموجة العنصرية الجديدة، طمعًا في ظهور تلفزيوني، أو منحة فدرالية، أو لمجرد تصفية حسابات معنوية قديمة بأساليب بدائية لا تزال تجد جمهورًا بين العرب الأميركيين.