ديموقراطية الصالون

مهند الحاج علي
الإثنين   2017/02/06

”عندما يزورنا 1200 شخص في المختارة يوم السبت فهذا دليل نجاج تيمور“. هكذا أصدر أحد النواب المخضرمين في كتلة ”اللقاء الديموقراطي“ حُكماً قاطعاً في الأداء السياسي-الاجتماعي لنجل الزعيم وليد جنبلاط ووريثه المرتقب. الكلام الصريح عن ”أداء“ تيمور جاء قبل أسبوع رداً على سؤال لمجلة ”المسيرة“ القواتية عن احتمال قيادة الوريث الجنبلاطي لقائمة نواب ”اللقاء الديموقراطي“، وبينهم مخضرمون مثل صاحب التصريح نفسه. 

كان النائب صريحاً وواضحاً في كلامه، تماماً كجنبلاط. قال إن ”تيمور تسلم منذ فترة المختارة“، ومنها القرار السياسي والخدماتي واللوائح الانتخابية وتوابعها. 

لكن قصر المختارة مقر هذه الزعامة التاريخية، ولا مفاجأة هنا. ربما الفارق الوحيد أن هذا التناقض بين التقدمية والاشتراكية المدعاة من جهة، وبين التوريث والزعامة الطائفية، لم يعد يؤرق آل جنبلاط، كما فعل مع مؤسس الحزب والإرث السياسي الحديث للعائلة. كمال جنبلاط، الجد الراحل، فكّر وكتب عن التناقض بين الزعامة الوراثية داخل الطائفة ولها من جهة، وايديوليجيته من جهة ثانية. حاول أن يُصالح بين تناقضاتها، تارة عبر الزهد في العيش، وتارة أخرى عبر توزيع ممتلكاته على الفلاحين، كما حصل مع مئة هكتار في سبلين. 

في “هذه وصيتي”، كتب كمال جنبلاط: ”وغالباً ما أسمى أنا هنا بسيد المختارة بحيث أن البعض يضع في التسمية ظلال سخرية كما لو أن ذلك يتناقض مع كوني زعيماً تقدمياً. وأنا أقبل هذا النعت وأطرح النوايا: فلا بد للمرء من أن يكون سيداً بالمعنى الحقيقي للكلمة ذلك أن معنى كل حياة أن يكون المرء سيد نفسه“. وفي فقرة أخرى، أكد اعتماده في مصاريفه اليومية على تعويضه من البرلمان، شارحاً بأن هناك طاهياً وخادماً يُساعدانه في القصر.

حقيقة أن مخاطبة التناقض وشرحه لأنصاره شغل تفكيره، كافية للنظر إلى الهوة الشاسعة بين أمس واليوم. اليوم، التناقض بات فاقعاً اثر وراثة التقدمي الاشتراكي في جيلها الثالث.

واليوم، لا حاجة الى كثير من الشرح. جُلّ ما يحتاج المرء اليه، عداد لاحتساب عدد زوار صالونات ”المختارة“. لا شرح ولا شظف في العيش ولا من يحزنون.

رغم ذلك، الحق يُقال إن جنبلاط الأكثر صراحة ووضوحاً في تناقضاته بين السياسيين. كم ”محروم“ اليوم في حركة ”المحرومين“؟ وهل هناك حقاً وريث يستعد لاستلام قيادتها؟

وهذا التوريث بالذات هو الأقل وضوحاً اليوم في عالم السياسة اللبنانية. بيد أن تيمور ليس الوريث الأول في عائلته. ولهذا السبب تحديداً، كان أكثر الورثة ظهوراً، بل بات بوابة جيل من ورثة زعماء طوائف أخرى، رأوا فيه فرصة لموجة واحدة تظهر كحالة شاملة، لا استثناءات فيها. 

لذا فإن إنهيار البرنامج السابق لتوريث تيمور، كما بدا من فوز والده برئاسة الحزب التقدمي الاشتراكي بالتزكية أول من أمس، يطال زعماء طوائف آخرين أكثر مما ينال من حظوظه المحسومة ولو بعد حين. كانت الخطة تقضي بعدم ترشح جنبلاط الأب لزعامة الحزب واستقالته أيضاً من مقعده النيابي، للإفساح في المجال أمام تقدم ولده. 

لكن زحف الثنائية المسيحية، والاصرار على قانون انتخاب نسبي يقتطع حصة ”الاشتراكي“، بمثابة تهديد وجودي للزعامة الجنبلاطية كما نعرفها، ما يتطلب تأجيلاً لتوريث تبدو انطلاقته متعثرة.

لكن ماذا عن بقية الورثة؟

مسيحياً، طوني سليمان فرنجية ماض في ترشحه، سيما أن الانتخابات البلدية مهّدت لتحالف ما مع ميشال معوّض. زعيما حزبي الكتائب النائب سامي الجميل والتيار الوطني الحر جبران باسيل، اجتازا مرحلة الخطر والتمرد الداخلي.

بقي الوريث الشيعي المجهول حتى الآن. ولا يُستبعد أن يكون التفاوض على هذا الملف الحساس جداً، أحد دوافع الحرب الحالية على جنبلاط.