"سوريا الاسد" تولد من جديد

ساطع نور الدين
السبت   2017/12/02

السخرية التي أثارها اللقاء الثنائي الاخير  في سوتشي الشهر الماضي، بين الرئيسين فلاديمير بوتين وبشار الاسد، وإرتماء الاخير في حضن مضيفه، تحولت الى مناحة  بالامس ، عندما تبين أن جولة جنيف التفاوضية الثامنة هي الترجمة الحرفية لذلك اللقاء الحار ، الذي كرس شعار "سوريا الاسد" أكثر من أي وقت مضى، وأبعد حتى مما كان يحلم به حافظ الاسد نفسه.

في ذلك اللقاء الذي وصف بأنه كان تنفيذاً  لمذكرة جلب روسية للاسد لإبلاغه أن موعد التسوية السياسية قد حان، لم يُستدعَ الرئيس السوري لوحده لأن بوتين  يعتبره رجلاً هامشياً، أو غير ذي شأن، او غير ذي موضوع، بل لأنه يرى فيه رئيساً  يختزل بشخصه النظام  والدولة والجيش، وكل من عداه في مؤسسة الحكم والحكومة والامن، مجرد هوامش لا يستحق أي منها أن يكون شريكاً في صنع القرار السوري أو حتى شاهداً عليه.

وبعكس ما لاحظه الساخرون، فإن بوتين  كان يكرّم الاسد في ذلك اللقاء عندما جمعه بكبار قادة الجيش الروسي وأهداه النصر  العسكري الذي تحقق على "داعش"، أو  هو  على وشك التحقق، بواسطة القوات الجوية والفضائية الروسية، وطلب منه الاستعداد لاستثمار ذلك النصر  في العملية السياسية التي يفترض حسب الرئيس الروسي أن تبدأ الآن، ومن نقطة الصفر  بالتحديد.

كان مؤتمر الرياض الثاني محطة مهمة في ذلك السياق. فجأة ، إندمجت منصتا موسكو والقاهرة في الائتلاف السوري  الذي أُفرغ خطابه السياسي من محتواه، وأُعيد ترتيب برنامجه التفاوضي وفق الوقائع الميدانية الجديدة، ثم أُرسل الى جنيف لتوسل مفاوضات فات موعدها السابق، ولحماية مرجعيات دولية سقطت ضحية الحملة العسكرية الروسية والايرانية الضارية طوال العامين الماضيين.

إلتزم النظام ، وبشكل حرفي كما يبدو ، بالتعليمات الروسية: تردد في السفر الى جنيف، وتأخر يوماً كاملاً . رفض التفاوض المباشر مع وفد معارض شُكل على عجل، وهو لا يمت بصلة عميقة مع فصائل الداخل السوري المدعوة بشكل منفصل الى مؤتمر"الشعوب السورية " المقرر الشهر المقبل. على قدم المساواة مع ما يمكن أن يسمى ب"المعارضة التقليدية"، التي يقيم معظمها في الشتات.

النهاية كانت بائسة لكنها للاسف واقعية جدا. ليس لدى موسكو ما تفاوض عليه في جنيف. وليس لدى النظام ما يقدمه لأولئك المعارضين. رُفعت الجولة الثامنة، بلا موعد تاسع. الوفد المعارض يمكن أن ينتظر بعض الوقت في قاعات التفاوض، لكنه سرعان ما سيكتشف أن ذلك المسار الدولي قد أقفل تماماً، وبدأ البحث الجدي من قبل الكرملين في مسارات سياسية تستلهم المسار الشيشاني او الاوكراني او الجورجي..

ليس هناك من مؤامرة روسية  خفية، بل مجرد إستثمار ، متسرع بعض الشيء ربما، لما تحقق على الارض السورية.  لا شراكة مع الاميركيين الذين لا يرغبون أصلاً بأي شكل من أشكال التورط في سوريا، ولا يودون إستخدام ذلك البلد في نزاعاتهم الداخلية حول أهلية الرئيس دونالد ترامب ودور روسيا في إيصاله الى البيت الابيض.. ولعل تقدم التحقيق  في ذلك التدخل الروسي السافر في العملية الديموقراطية الاميركية، عامل مؤثر في الحؤول دون أي إهتمام أميركي بالصراع على سوريا.

كانت جولة جنيف الثامنة  هي الاخيرة من جولات أعدت في مرحلة مختلفة تماماً من مراحل الازمة السورية، وهي الخاتمة لقرارات دولية صدرت في موازين قوى محلية واقليمية ودولية مغايرة كلياً.. وهي الناعية لدور الامم المتحدة المفتعل أصلاً، وللدور الأميركي والغربي المتوهم أبداً. من الآن فصاعداً، باتت العملية السياسية في سوريا حكراً على روسيا، التي يمكن ان تتقاسم النفوذ فيها مع إيران وتركيا.. ويمكن ان تعرض على المعارضين السوريين وزارات خدماتية وإدارات مدنية لا مركزية، ويمكن ان تتوج بشار الاسد ملكاً  على سوريا طالما أنه ليس هناك من منازع له، ولن يكون له منافس في الانتخابات الرئاسية المقررة بعد ثلاث سنوات ونيف، ولم يكن هناك يوماً طرف مستعد لدفع ثمن إزاحته من منصبه.

إنها "سوريا الاسد" التي تستولدها روسيا من جديد، من رحم إخفاق سوري وعربي ما بعده إخفاق.