اردوغان_ بوتين : حلف الضرورة

سمير صالحة
الثلاثاء   2017/11/14

مهمة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في اقناع نظيره الروسي فلادمير بوتين بعدم اشراك حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في اية مبادرة تهدف لجمع السوريين تحت سقف الحوار الوطني ستكون صعبة اذا لم نقل انها مستحيلة .

اردوغان الذي افسد في اخر لحظة مؤتمر الشعوب السورية في سوتشي الروسية التي كانت موسكو تعد له وتمني النفس بتحوله الى مقدمة للحوار السياسي الحقيقي بين السوريين يتوجه الى المدينة نفسها ارضاء لبوتين وفي محاولة لامتصاص غضبه واقناعه بعدم التصعيد حيال المطالب التركية العالقة منذ اشهر بالدخول العسكري الى عفرين وتل رفعت وانجاز الحلقة الاخيرة من عملية " درع الفرات " باخراج قوات سوريا لديمقراطية من منبج الى غرب الفرات بعدما تصدت واشنطن للرغبة التركية هذه وقطعت الطريق عليها .


الرئيس التركي يلتقي بوتين للمرة الخامسة منذ بداية العام وحتى الان . هو يريد أن يعوض الجمود والتراجع الكبير في العلاقات التجارية والسياسية وينقل حجم التبادل التجاري الى 100 مليار دولار رغم انه يعرف حجم الصعوبات والعراقيل الكثيرة التي تقف امام تحقيق هذا الحلم . ثنائيا للبلدين تفاهمات اقتصادية وانمائية كثيرة  لكن هناك صفقات وعقوداً وتعهدات حيال شركاء وحلفاء لهما في اسيا واوروبا لا يمكن اهمالها أيضا وهي قد تتعارض مع كل هذا التقارب التركي الروسي الاستراتيجي خصوصا ما يتعلق منها بالعقود الروسية مع ايران والصين والهند .

اردوغان يقول انه يتوجه الى سوتشي بدعوة من " صديقه العزيز " بوتين وفي اطار استكمال حوار وتقارب جديد متعدد الجوانب والاتجاهات وسيشكر الرئيس الروسي على تسهيل انتقال البضائع التركية الى الاسواق الروسية ودخول 4 ملايين سائح روسي خلال عام الى تركيا وانجاز صفقة صواريخ أس – 400 وسيبحث متطلبات اتمام مشروع محطة المفاعل النووي لانتاج الطاقة " اك كويو " الذي تشرف روسيا على انجازه في تركيا قبل انتهاء العام 2023 وتفعيل خطط نقل الطاقة الروسية عبر الاراضي التركية لكن هناك اكثر من ملف عالق سيتصدر المباحثات مثل مسار الازمة السورية وكيف سينتهي مسار الاستنانة  ومصير بشار الاسد ما بعد المرحلة الانتقالية وخارطة سوريا الجديدة سياسيا ودستوريا وحصة الاكراد فيها وحجم التنسيق الاميركي الروسي الذي بدأ يظهر الى العلن عبر تصريحات ومواقف سياسية صادرة عن قيادات في البلدين تتحدث عن تقارب في الطروحات والرؤى .


موسكو فرحة لتدهور العلاقات التركية الاميركية وفشل جهود اردوغان وترامب في انهاء اسباب الخلاف وتريد الاستثمار مطولا في هذه الفرصة السانحة. وانقرة تعرف اهمية حماية علاقاتها مع موسكو في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها علاقاتها مع واشنطن لكن علاقات البلدين ما زالت امام امتحان الثقة بالاخر وتحت رحمة العديد من ملفات الخلاف والتباعد الاقليمي حيث تتضارب المصالح والحسابات .

اردوغان يريد من بوتين هذه المرة :

- أن يكون اكثر وضوحا وشفافية في طرح ما يريد أن يفعله في مسار الازمة السورية وتصوره للحل بعدما لعبت انقرة دورا رئيسيا في عرقلة مؤتمر الحوار بسبب شكوكها واعتراضها على مشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي الذي ترى فيه انقرة تنظيما ارهابيا . ابراهيم كالن الناطق باسم الرئاسة التركية يقول ان الكرملين اعلن ارجاء موعد اللقاء وليس الغاءه وان موسكو ابلغتنا ان حزب الاتحاد الديموقراطي لن يشارك، ملوحا باحتمال تخلي بلاده عن الطرح الروسي لصالح جهود السلام تحت اشراف الامم المتحدة .



- أن لا يكون حجر عثرة أمام انهاء النزاع الأرميني-الأذري على إقليم ناغورني كاراباغ بعد تجدد الاشتباكات في الاقليم في نيسان 2016 حيث تبرز القناعة التركية التي تقول ان موسكو هي من تقف وراء التفجير في محاولة للضغط على انقرة في اسيا الوسطى واضعاف التقارب والتنسيق التركي الاذري .


ويريد من نظيره الروسي افساح المجال امام انقرة لتدخل وسيطا على خط الازمة الروسية الأوكرانية وتبني الطرح التركي الذي يرى ان انهاء الازمة في القرم سيخدم اكثر فاكثر مصالح البلدين في القرم بدل التوتر الحاصل هناك والذي يتركهما وجها لوجه وفي جبهات مواجهة تخدم الطرف الثالث الذي يهمه التباعد التركي الروسي .

وبوتين بدوره يتطلع الى :

- استغلال الاجواء الاقليمية والدولية القائمة والتي ترى أن أي عملية سياسية في سوريا لن تنجح دون الدعم والمشاركة الروسية ،

- فرض المنطق الروسي الذي يقول ان فكرة عقد مؤتمر شعوب سورية أو مؤتمر الحوار الوطني ستكون مقدمة لتوسيع دائرة المشاركين المحليين والاقليميين في عملية التسوية في اطار مؤتمر دولي موسع يكرس خريطة الحل الروسي للازمة . وستحاول موسكو مع طهران وانقرة والرياض فتح الطريق امام مؤتمر من هذا النوع تحت اشرافها وعلى طريقة " لا غالب ولا مغلوب " من خلال طرح تفاهمات سياسية ودستورية جديدة نحو الفدرلة حتى لا تقع الكارثة الاكبر ويتحول النقاش في سوريا كما تلوح موسكو الى كونفدرالية هشة عرضة للتفكك والتحول الى دويلات وكيانات صغيرة مستقلة في قلب المنطقة الجالسة اصلا على فوهة بركان جاهز للانفجار .

- ويريد ان يرى روسيا حلقة في المشروع الاستراتيجي الثلاثي الذي سيدخل قريبا حيز التنفيذ عبر السكة الحديدية التي تربط آسيا الوسطى بمنطقة البحر الأبيض المتوسط لتعزيز التحالف العسكري والسياسي بين تركيا واذربيجان وجورجيا . وحيث من المقرر أن  يبدأ تنفيذ المرحلة الثانية من المشروع، حيث ستمر السكة الحديدية من كازاخستان وصولا إلى الصين ما سيساهم في إحياء طريق الحرير القديم بحلة استراتيجية جديدة لا تريد موسكو ان تكون بعيدة عنها .

الملف السوري سيبقى مركز الثقل في اللقاءات التركية الروسية ولقاء أردوغان – بوتين سبقته زيارة الاخير لإيران واستقباله كبار القادة السعوديين في موسكو اكثر من مرة والهدف الروسي كما يبدو هنا هو فتح الطريق أمام الخطة الروسية التي قد تساهم في ولادة سيناريو للتسوية في سوريا لكنه سيحمل معه تفاهمات اقليمية حول العديد من الملفات الساخنة والشائكة في المنطقة تخفف التوتر الحاصل والتصعيد السعودي الايراني والايراني من جهة و والاميركي الاسرائيلي من جهة اخرى .

بوتين ما زال عند رأيه في التفاؤل الحذر " بأننا سنتمكن من التحرك نحو عملية سياسية مكتملة الأركان في سوريا ". لكن ما يقلق انقرة ويدفع اردوغان للتذكير بوجود القواعد العسكرية الاميركية والروسية في سوريا هو التفاهم الاخير بين ترامب وبوتين وخدعة اعلانهما أن "الصراع في سورية ليس له حل عسكري"، وتجاهلهما في لقائهما الاخير القرارات الدولية التي تنص على انتقال سياسي جوهري يقوم على تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات وأن الحل النهائي لا بد أن يقوم وفق هذه القرارات الدولية وعلى راسها بيان جنيف1 الصادر في منتصف عام 2012.

نظريا وكما يردد الاتراك والروس في الاسابيع الاخيرة روسيا وتركيا دولتان تتعاونان بشكل وثيق، سواء من الناحية التجارية الاقتصادية، أو من ناحية التعاون الاستثماري والتعاون في المجال العسكري- التقني لكنه سيكون من الصعب جدا ان يقنع أردوغان بوتين بالوقوف الى جانبه في طرح " انه لا يحق لأي طرف الزج بمنطقتنا في النار، وتصعيد التوتر من أجل مصالحه الشخصية القصيرة الأمد".