سقوط الإمارة الفلسطينية

ساطع نور الدين
الجمعة   2017/10/13

مهما بدا أن إتفاق المصالحة الفلسطينية بين حركتي "فتح" و"حماس"، حاجة موضوعية داخلية  أملتها ظروف الحصار الخانق على قطاع غزة، والعزل الكامل للضفة الغربية، لن يكون من المبالغة الاستنتاج  أن ثمة حركة اسلامية جديدة تسلم الراية وتخضع للامر الواقع وتعيد المسؤولية عن مجتمعها الى السلطة التقليدية، التي أنتجها الجيل السابق للنهوض الاسلامي.

هي بهذا المعنى هزيمة إضافية لحركة إسلامية مهمة برزت في بقعة فلسطينية وعربية بالغة الدقة والحساسية، على جبهات المواجهة مع العدو الاسرائيلي، وعلى خطوط التواصل مع جميع الدول المعنية بذلك الصراع، عربية كانت أم أجنبية.. وكادت ان تصبح رقماً صعبا لا يمكن لأحد ان يتخطاه، وممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني  لا يمكن لأحد ان ينكره.

هذا الإحتمال سقط بالامس، برغم أنه لم يكن وارداً ، لكنه كان طموحاً منطقياً ومشروعاً لدى شريحة واسعة من الشعب الفلسطيني، قررت تحدي الهزائم المتلاحقة التي ألحقها العدو  بالقيادة الفلسطينية التقليدية، وإختبار البديل الاسلامي  المدفوع بموجة إسلامية عارمة إمتدت من أفغانستان الى المغرب. كان القرار مستحيلاً، وكان التنفيذ محبطاً..فجاء الاذعان الأخير  ليطوي صفحة مهمة من تاريخ الاسلام السياسي، الفلسطيني والعربي، وربما ايضا العالمي.

اتفاق المصالحة، الذي وقع بالامس في القاهرة هو  إعلان إستسلام لا جدال فيه. العدو الاسرائيلي هو المسؤول الاول عن هذا الإقصاء لحركة حماس عن دورها في إدارة وفي حماية قطاع غزة، وهو دور كان مرشحاً في ما مضى للانتقال الى الضفة الغربية نفسها.  لكن ثمة دولاً وعواصم عربية وإسلامية ساهمت في صنع هذه الهزيمة المدوية  لتجربة حماس الفلسطينية، أولها مصر التي لم تحتمل يوماً أن تجد على حدودها إمارة إسلامية، مقاتلة لإسرائيل، تليها السعودية والامارات التي لم تسلّم بأن تتحول تلك الامارة الى منصة إيرانية.

حماس نفسها تتحمل بالطبع جزءاً كبيراً من المسؤولية، لا سيما في تلك الهوة السحيقة بين مقاومتها المشرفة فعلا التي حالت مراراً دون الاستباحة الاسرائيلية لقطاع غزة، بل وحتى للضفة نفسها، وبين خيانتها لميراث العمل الوطني الفلسطيني الذي يحفظ الكثير من الاعتدال والتعدد والتنوع ومن الحريات الفردية والاجتماعية.. والذي يفترض الكثير من المرونة ( والحنكة ) في تشكيل التحالفات الداخلية والخارجية.

لم تنتهِ حماس كمقاومة، ولن تنتهي. ظروف الصراع مع العدو  تكفل الحاجة الراسخة الى سلاحها وتضمن ديمومتها، ولو تحت الارض كما جاء في نصوص الاتفاق ، بحيث تتولى السلطة وأجهزتها كل ما هو فوق الارض. لكن النموذج ، أو بتعبير  ادق المشروع  السياسي لن يبقى له أثر ظاهر  في الداخل الفلسطيني، وربما في مخيمات الشتات، التي سبقت غزة الى التسليم بإستعصاء حالة التمرد التي تمثلها غزة  في المواجهة مع العدو ، وباستحالة بقاء الإمارة الاسلامية الفلسطينية ( على إعتدالها وشرعيتها الوطنية) في الوقت الذي تتساقط فيه إمارات إسلامية مختلفة  في بقية أنحاء الوطن العربي ، وتتهاوى فيه تجارب إسلامية عربية كانت جزءا من مشروع نهوض عام، إستفاد من الربيع العربي ووعوده المجهضة بالحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية.

لكن خصوصية التجربة الفلسطينية لا تحول دون الاقرار  بأن هزيمة حماس، ستوضع بلا  شك في رصيد القوى العربية المناهضة لتلك الوعود، والمقاتلة على جميع الجبهات وبمختلف أنواع الاسلحة، من أجل إحباط أي مشروع عربي بالتغيير ، مهما كان بسيطاً ومتواضعاً.. حتى ولو كان الثمن هو الاندماج بالوهم الاسرائيلي، والتضخيم للخطر الاسلامي. 

صفحة فلسطينية، وإسلامية، طويت مع إتفاق المصالحة، الذي لن يواري "حماس"، لأن العدو  الاسرائيلي يمكن ان يعطله في اي لحظة، ولأن السلطة الفلسطينية فقدت الأهلية  لإحترام بنوده..ولأن المجتمع الفلسطيني لم يمت، ولم يسلّم، بأن مستقبله سيكون أسير  الموقعين على الاتفاق او المتربصين به.