الدين لله والكرة للرئيس

أحمد عمر
السبت   2017/10/14

الكرة في علوم النظر والهندسة، هي من أعدل رعايا مملكة الهندسة وأشرفها، فليست مستطيلاً ضلعاه الجانبيان من طائفة بوذية، وضلعاه العلويان من طائفة الروهينغا، ولا مربعاً زواياه حادة، قاطعة للرزق، ولا مثلثاً يشبه زنزانة، ليس له باب، أو نافذة، أو عنوان، ولا مسدساً يغدر، ولا منحرفاً، أو شبه منحرف، ولا معيناً (كائن هندسي من ذوي قربى المربع وشيعته) بقرار من المخابرات، التي تلعب برأس هذه الأمة مثل الكرة في ملعب هذه البلاد المعطاء، التي أعطتنا رئيساً سيكتب إسمه بماء الرصاص في سجل المتعفنين في مزبلة التاريخ الفاضلة.

الكرة التي ليس لها مذهب أو دين، تحولت بين قدمي الطاغية إلى آلة تطبيع وتطويع، وجعلت الشعب في مهب ضربات الجزاء الدائمة.

وقع أمس ناشطون سوريون، وفقهاء ثقافة ووطنية في وبال أمرهم، وكان أمرهم فرطا، ثم أفتوا في الأمر بعد أن ضربوا أخماساً في أسداس، وأثمان، وأعشار، وتوصلوا إلى علمانية لم تبلغها علمانيات أوروبا الفاضلة، وفصلوا ما بين لحم السياسة وشحم الرياضة الملتحمين في بلادنا، بسكين العاطفة الوطنية المخنوقة، وفريقهم الوطني يناضل لبلوغ مونديال كأس العالم، فقالوا: سنوالي الفريق السوري، فهو فريقنا، وهم يعلمون علم اليقين، أن "فرسان" فريقنا الوطني، حالهم حال طلائع البعث، وأعضاء مجلس الشعب، وشيوخ الأوقاف، فهم يلهجون باسم السيد الرئيس، ويرجون أن يكونوا جنوداً في الجيش العربي السوري، الذي أباد ما أباده الاحتلال الفرنسي في الجزائر، فأشهدوا..

الناشطون أسموا فريقهم فريق البراميل. فالذين يقذفون البراميل يشوطونها، لاهية قلوبهم، بأقدامهم، وهم يلعبون.

ولحق بالسوريين مصريون، وهم في محنة الاختيار بين فطرة الولاء للفريق القومي، وبين الأرباح المعنوية التي ستصب في صندوق القصر الجمهوري، وقد باتت الكرة ديناً، وصار الملعب الأخضر معبداً، والناس تعبد آلهة من المعابد الخضراء مستوردة، مثل لات ريال برشلونة، وهبل ريال مدريد، والفريق الوطني أولى بالعاطفة و"الولاء".

 ولبرشلونة وريال مدريد، مثل هبل واللات، عبيد يسبحون بحمدهما في الغدو الآصال.

وجدت السلطات الدكتاتورية في الملعب الأخضر ملعباً لها، كما وجدتها في المسجد، والكنيسة.. وجعلت الملعب لتلبية الرئيس والحج والعجِّ والثجِّ السياسي. وكانت السلطة السورية العلمانية السورية تفزع من ذكر يوسف العظمة، ومن اسم شكري القوتلي، وأمس أصبح العلم السوري في عهد الاستقلال كفرا وخيانة، لكنها كانت تغضي عن أعلام الفرق البرازيلية والأرجنتينية والألمانية فوق شرفات البيوت خافقة مثل طواحين دون كيشوت!

 إحتلت بلادنا وقلوبنا مبكرا.

يا معشر قريش وكنانة وبن غلاديش وبن بونغ: إسرائيل التي تسعى الدول العربية إلى نيل رضاها والتشفع بها لدى الغرب، لديها خمس جامعات من بين أفضل مائة جامعة، وأمريكا أقوى دولة في العالم، وكلاهما لا تحفلان بكرة القدم كما  نحن نسعى  ونحفد، وأمس تشفى مرشد الثورة الإيرانية بأمريكا إبان فوز الفريق الإيراني على الفريق الأمريكي، وذاق وبال أمره، وسماها فقهاء التحليل السياسي آنذاك: دبلوماسية كرة القدم، لكن الكرة لا تصلح  ما أفسدته العقائد، وإسرائيل الدولة الذكية، أحدث دولة في العالم لا تبالي بالكرة،  تصفّر في ملعب العالم العربي. وترفع البطاقات الحمراء، والصفراء، وتسعى إلى دبلوماسية القدم، لا كرة القدم.

أمس غنّى بلبل المؤامرات العربية المتحدة السيد ضاحي خلفان مغردا: "إن دول الحصار ستغض النظر عن قطر، إذا تنازلت عن تنظيم مونديال كرة القدم"، وضاحي خلفان هو لسان حال الإمارات، لقد كشف عن ساق، وأظهر أنهم يغارون من القدم لا من الرأس.

لنتذكر أن أكثر ما أعجب ترامب في السيسي قدمه، التي يدوس بها على كرامة مصر.

 مؤكد أن زين اللاعبين بن علي عاش طويلاً على مجد مشاركة تونس في كأس العالم، وكان "المفكر" الرياضي عدنان بوظو قد ألف كتاباً سماه "تونس صيحة العرب في الأرجنتين"، فأصبح من المصنفين، وأصبحت بلادنا كالصريم، أما في الأرجنتين فقد أطال فوز فريقهم في كأس العالم من عمر جنرال الأرجنتين خورخي فيديلا السلطوي الذي أفقرت سياساته البلاد، وكان حسني مبارك يستغل كل فوز إقليمي للفريق الوطني. وكانت الكاميرا الوطنية تصور مجد مصافحة الرئيس مبارك للاعبين، فتصورُ "مبارك" مقبلاً في السلم، واللاعبين مدبرين يوم الزحف، لا نرى سوى أقفيتهم، لكن الظالمين اليوم في ضلال مبين.

والحال على عكس ما في أوروبا، التي تعد مثالاً يحتذى في علوم الرأس وفي القدم، إذ يتودد الرؤساء الفرنجة لأبطال فرقهم الكروية، ويطلبون منهم صوراً تذكارية، والغرب ليس على صواب دائماً، لكنهم متفوقون في هذه اللحظة التاريخية الحرجة في علوم الرأس والقدم، ونحن نريد أن نتفوق في القدم تعويضاً عن نقص العلوم والآداب المكتسبين.

 في ألمانيا، لكل مدرسة، ولكل صف فريق رياضي في كل أنواع الرياضة، الجميع هنا يلعب، أما عندنا، فنعيش على وطنية زائفة، الرياضة حصة درسية نسميها "الفراغ". وانتبه كثيرون في رحيل مهدي عاكف، إلى أن الإخوان اهتموا مبكراً بالرياضة، فالمرشد العام كان مدرساً للتربية البدنية!

 لقد وقعنا بين عبادتين: عبادة البوط العسكري، وعبادة الجزمة الرياضية، وقد تنظر إسرائيل من علٍ، إلى فوز الفريق المصري بل هي تباركه، وتقول قولة مبارك: خلِهم يتسلوا. وقد استغل السيسي الفوز على الكونغو فعلا نجمه الذي تحبل به النساء، فعبس وبسر، ثم فرض قانون الطوارئ وجاء بمحاكم الطوارئ في سكرة الاحتفالات بفوز الفريق المصري، وكَأَن هذه البلاد لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ. كما خسر الشعب مكافآت اللاعبين من الاقتصاد الوطني، وربح السيسي معركة ضد الإرهاب من غير آباتشي هذه المرة.

لن يزداد الدخل القومي، ما زاد هو منسوب العبودية، والأمية، والاستخراب الداخلي.

لذلك وبناء على ما تقدم وما تهدم، وعلى دهن جبن الرياضة بخبز السياسة، بالتدقيق، أقول: إن الكرامة التي يستبيحها بوط عسكري لا تستعيدها جزمة أديداس. وأعلن عن سعادتي بفوز الأحرار الكناغر على فريق العبيد الأصاغر.

وعَمَار يا أستراليا.