عندما يتحدث ترامب

مهند الحاج علي
الجمعة   2017/01/27

هذه الأيام، يُنهي الرئيس الأميركي دونالد ترامب الكثير من الجدل حيال سياساته الداخلية والخارجية. اليوم، تصل رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إلى الولايات المتحدة حيث ستكون أول زعيمة دولة تلتقي الرئيس دونالد ترامب بعد تنصيبه في 20 كانون الثاني (يناير) الجاري. لكن قبل 40 يوماً فقط، التقى ترامب زعيم حزب المملكة المتحدة المستقلة نايجل فاراج، المعارض لماي، واقترح بعدها تعيينه سفيراً للمملكة المتحدة إلى واشنطن. وبعد انتخابه، أخّر الاتصال بينه وبين رئيسة الحكومة البريطانية، وفضّل عليها زعماء دول أخرى، بخلاف العرف التاريخي في العلاقات بين البلدين. كان كثيرون يرون في سلوك ترامب، تدخلاً في الشؤون البريطانية، وانتقاماً لانتقادات وجهها اليه وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون الذي وصفه بالتافه. 

ماذا حصل؟

لطالما كان تشكيك المملكة المتحدة في الوحدة والأحلاف الأوروبية خلال القرن العشرين وبعده، مترافقاً مع التزام بالتحالف مع الولايات المتحدة. يصح ذلك في عهود حزبي المحافظين والعمال على حد سواء. بغض النظر عن الادارات والحكومات، كانت لندن تسير في حروب الولايات المتحدة وأحلافها العسكرية، ولديها تعاون أمني-استخباراتي وثيق.

إلا أن فوز ترامب قلب الطاولة بالكامل، إذ كان فاراج العاجز عن الفوز بمقعد نيابي في بريطانيا، بين الداعمين له، إلى جانب قادة يمينيين أوروبيين مثل زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية المرشحة للرئاسة ماري لو بين. تبين لوهلة أن بريطانيا مشمولة بالتغيير في السياسة الأميركية حيال أوروبا. بيد أن ترامب لم يتحالف فحسب مع اليمين الأوروبي المتشدد، بل هز أركان أمن القارة الاوروبية بانتقاد الحلف الأطلسي (الناتو). انتقد السياسات الأوروبية حيال اللاجئين والهجرة، ولم يخف عدم اعجابه بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.

أمام كل هذه المتغيرات، كانت بريطانيا على أبواب إنعزال تام. من جهة، تخرج من الاتحاد الأوروبي بلا سوق مشتركة ولا بُعد داخل القارة. ومن جهة ثانية، يُهدد رئيس أميركي جديد بنى حملته الانتخابية على التشكيك بأسس علاقات الولايات المتحدة مع أوروبا والصين وروسيا.  

في ظل هذا الحصار الخانق، خاضت حكومة ماي مفاوضات مع فريق ترامب، حتى وصلت الى تفاهم بدأت تفاصيله تتسرب بسياسات. طبعاً، هناك شق أوروبي بالتأكيد في التفاهم، لكن يبدو أيضاً أن سياسة ترامب حيال الشرق الاوسط أساسية في أي علاقة بريطانية-أميركية مستقبلاً. مؤشران تبدلا في السياسة حيال الشرق الأوسط. 

أولاً، رفضت بريطانيا ارسال وفد رفيع المستوى أسوة ببقية الدول الأوروبية، للمشاركة في مؤتمر باريس للسلام قبل 10 أيام. رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، صديق ترامب، وصف المؤتمر بأنه عالم قديم يلفظ آخر أنفاسه. الرئيس الأميركي وعد بدعم موقف نتنياهو حيال الاستيطان في الأراضي المحتلة، وبنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس.   

ثانياً، تخلت بريطانيا عن سياستها حيال القضية السورية. كان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يُصر على رحيل الرئيس بشار الأسد جزءاً من أي حل مستقبلي للحرب السورية. اليوم، أطاح وزير الخارجية البريطاني بهذه السياسة، إذ بات مقبولاً لدى حكومة بلاده أن يشمل أي حل مستقبلي ترشح الأسد لولاية رئاسية جديدة بعد تعديل الدستور.

هذان الانقلابان في السياسة البريطانية حصلا قبل 10 أيام من زيارة ماي إلى الولايات المتحدة، وبعد انتهاء مشاورات مع فريق ترامب في البيت الأبيض. يؤشر هذا الاطار الزمني إلى أن إدارة ترامب ترى في قبول الأسد والاستيطان ركنين لسياستها المقبلة في الشرق الأوسط، ومدخلاً للتحالف معها. 

المفارقة أن الرئيس الأميركي أصدر قراراً بمنع دخول السوريين إلى بلاده، لكنه يُشارك في قرار اختيار رئيسهم.