النظام الاميركي الجديد

حسين عبد الحسين
الجمعة   2017/01/27
على مدى العقود الماضية، دأبت الادارات الاميركية المتعاقبة على تعريف، واعادة تعريف، “الشرق الاوسط الجديد”. كان لكل ادارة رؤيتها، من “خطة روجرز” التي قدمتها ادارة جونسون، الى “خريطة كيسنجر” في عهد نيكسون، ثم اتفاقية “كامب دايفيد” برعاية كارتر، و”الأرض مقابل السلام” في زمن بوش الاب، فـ “حل الدولتين” الذي قدمه كلينتون، ثم “الفوضى الخلاقة” في عهد بوش الابن، وختاما “التسوية الكبرى” التي قدمها أوباما الى ايران. 
في زمن الرئيس دونالد ترامب، لا رؤية للمنطقة ولا “شرق أوسط جديد”، بل نظام أميركي جديد لم تشهد له الولايات المتحدة او العالم مثيل. الاميركيون يحتارون كيف يتعاملون مع رئيس مدمن على الكذب بشكل يشي باختلال نفسي او عقلي، الى حد دعا بعض الكتاب الاميركيين الى المطالبة بتفعيل مواد في الدستور تبطل رئاسة من تثبت عدم اهليته العقلية.
اكاذيب ترامب كانت بدأت اثناء حملته الانتخابية، من اصراره على معارضته حرب العراق على الرغم من وجود تسجيل تلفزيوني يؤيد فيه ترامب الحرب. ثم راح المرشح الجمهوري يلفّق الاكاذيب بحق معارضيه، الجمهوريين اولا، ثم منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون، فإتهم منافسه السناتور تيد كروز انه نجل المسؤول عن اغتيال الرئيس السابق جون كينيدي، واتهم كلينتون انها تعمل بامرة حكومات اجنبية، وقال حرفيا ان الرئيس السابق باراك “أوباما هو مؤسس داعش”.
لم يبالي الاميركيون باكاذيب ترامب، واعتبروها الاعيب انتخابية تنتهي مع وصوله البيت الابيض. واستقدمت حملة ترامب الرئاسية مستشارين ضبطوا اقواله، واجبروه على التوقف عن “التغريد” عبر موقع تويتر. بدا ترامب مرشحا طبيعيا لاسبوع او اكثر، لكن نسب تأييده الشعبي تدنت، اذ في غياب تصريحاته الفضائحية، تقلصت التغطية الاعلامية له، اذ ذاك استعاد ترامب حساب تويتر، وعاد الى عاداته السابقة، وابلغ مسؤولي حملته ان الناس تحبه على سجيته.
منذ منتصف تشرين الاول (اكتوبر) الماضي وترامب على سجيته، لا يسمع مشورة ولا يأخذ رأيا، بل يحيط نفسه بمجموعة من المصفقين له. هكذا، خلق ترامب عالماً خاصاً به له وقائعه واحداثه، وهي وقائع مزيفة وتختلف بشكل جذري عن الحقيقة والحقائق، وهو ما جعل التصادم بين ترامب والاعلام الاميركي، بشقيه اليساري الديموقراطي المعارض واليميني الجمهوري أمراً حتمياً. ولم يبق في صف ترامب الا بعض المواقع الاعلامية الحزبية التي لا تتمتع بمصداقية، والتي تبث كميات كبيرة من الاخبار المزيفة.
في الايام الاولى لانتخاب الرئيس السابق باراك أوباما رئيسا في العام 2008، احدث ضجة باصراره على استخدام جهاز البلاكبيري الخاص به، وهو ما اجبر “الامن السري” على إبتكار جهاز مخصص للرئيس خوفا من اختراقات امنية. وبرر أوباما اصراره انه كان يريد الحفاظ على اتصاله المباشر مع اصدقائه خارج “الفقاعة الرئاسية” حتى يستمع الى آراء الناس العاديين. وبعد خسارة كلينتون الرئاسة امام ترامب، سأل احد الصحافيين أوباما ان كان توقع الخسارة، فاجاب الرئيس السابق: “لا، يبدو اني كنت منفصلا عن الواقع واعيش داخل الفقاعة الرئاسية”.
ترامب على عكس أوباما. يتمسك بفقاعة يعيش فيها منذ نعومة اظافره، اولا بسبب كونه ثرياً ابن ثري لا يخالط العامة، واليوم بعدما اصبح رئيسا للبلاد. وبدلا من ان يحاول ترامب الخروج من فقاعته، يحاول توسيعها حتى تبتلع النظام السياسي الاميركي بأكمله، على غرار اعتى الديكتاتوريين في العالم، فترامب في مؤتمره الصحافي الاول بعد انتخابه، وقبل تسلمه الرئاسة، حرص على حضور افراد عائلته ومساعديه، فانتشر هؤلاء بين الصحافيين. وعندما واجه ترامب من لا يعجبه من الصحافيين، اطلق مقربوه صفير الاستهجان، ثم قهقهوا لدعابات الرئيس المنتخب، وصفقوا عندما اراد ترامب سماع التصفيق.
وفي مبنى “وكالة الاستخبارات المركزية” (سي آي اي)، علت اصوات التصفيق بعدما قال ترامب ان انذل الناس هم الاعلاميون، وهو ما دفع وسائل الاعلام الى توجيه اسئلة الى الوكالة حول تصفيق العاملين فيها لاقوال ترامب، لترد الوكالة ان ترامب زار الوكالة مع مجموعة حاشيته التي تولت التصفيق والقهقهة ضحكاً عند الحاجة.
قد لا يطول الوقت قبل ان يطل على الاميركيين والعالم الناطق باسم البيت الابيض شون سبايسر لاعلان ان الولايات المتحدة اخترعت جهاز كباب يشفي مرض الايدز، فالديكتاتوريات على اشكالها تقع، من القاهرة الى واشنطن.