ترامب يأتينا أمواتاً

مهند الحاج علي
الجمعة   2017/01/20

اليوم، تُنصّب الولايات المتحدة دونالد ترامب رئيساً. التصريحات التي كانت صادمة تارة ومسلية تارة أخرى، ستصير من اليوم فصاعداً سياسات عند الإدلاء بها. وبما أن التغيير بين الأطوار الثلاثة لترامب، أي المرشح والمنتخب والرئيس، لن يكون صاعقاً، يصح الافتراض بأن الرجل سيسعى إلى تطبيق معظم وعوده الانتخابية، وبينها تلك التي تعنينا مباشرة في المنطقة.

أولاً، على الصعيد الفلسطيني، ستنقل الولايات المتحدة سفارتها من تل أبيب إلى القدس المحتلة. ومثل هذا القرار الرمزي يفتح المجال لاستيطان أوسع نطاقاً بدعم أميركي كامل، إذ تكون الولايات المتحدة اعترفت بشرعية الاستحواذ الاسرائيلي على بعض اراضي ال67.

ثانياً، قد يعجز ترامب قانونياً وسياسياً عن منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، كما وعد طوال حملته، لكن بإمكانه التخفيف من هجرتهم إليها عبر أساليب ملتوية. حتى في عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما، بات دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة أكثر صعوبة. مثلاً، أي مواطن أوروبي يزور ايران أو العراق أو السودان أو سوريا، لا يُعفى تلقائياً من تأشيرة دخول الولايات المتحدة، أسوة ببقية الأوروبيين. مثل هذا القرار يستهدف مئات آلاف الأوروبيين الذين يزورون بلدانهم الأصلية سنوياً، وأغلبهم مسلمون. لذا يُتوقع تصعيد مثل هذه الإجراءات لحظر دخول أكبر عدد ممكن من المسلمين والعرب. 

ينوي دعم الحرب الروسية في سوريا، وتفكيك الاتفاق النووي مع إيران في آن. ومثل هذه السياسة المزدوجة المعايير ليست جديدة على واشنطن، إذ سبق أن صنّف الرئيس الجمهوري السابق جورج بوش إيران ضمن محور الشر، لكنه حرّرها من ألد عدوين لها: صدام حسين العراق وطالبان أفغانستان. الأرجح أن ترامب سيكون حليفاً مُبطناً لإيران في العراق وسوريا، وعدواً لها في مجلس الأمن والكونغرس. 

حيثما ندور مع هذا الرئيس، نرى المزيد من الدماء تُسفك إن كان في العراق أم في سوريا وفلسطين. يُضاف إلى ذلك، نية مُعلنة لمعاقبتنا جماعياً في المنطقة على الإرهاب. في ديسمبر عام 2015، شدد ترامب على ضرورة استهداف عائلات ”الارهابيين“ أيضاً في اطار عقابهم.

وما يزيد من مصيبتنا اليوم إذ نواجه أكثر رئيس أميركي سوءاً في نواياه حيال المنطقة، أننا نعيش ظروفاً محلية قد تكون الأسوأ منذ عهود الاستقلال.

بحسب تقرير لمركز كارنيغي للشرق الأوسط بعنوان ”انكسارات عربية“، فإن هناك 143 مليون عربي يعيشون في بلدان تعاني ويلات الحرب أو الاحتلال. ضحايا عمليات التهجير 17 مليون عربي. ورغم أن العرب يشكلون 5 في المئة فقط من سكان العالم، إلا أنهم أكثر من نصف لاجئيه. ومع أكثر من 4,8 ملايين لاجئ خارج البلاد، و6,6 ملايين داخلها، بات السوريون وحدهم يُمثلون خُمُس اللاجئين في العالم. 

وليست هذه الأرقام وحدها الصادمة بل أيضاً المستقبل الذي تُنبئنا به. مثلاً، 86% من اللاجئين السوريين الهاربين بحراً الى اليونان يحملون الشهادة الثانوية. لكن أكثر من2,8 مليون طفل سوري لاجئ لا يرتادون المدارس. قفزة هائلة إلى الوراء.

بحسب التقرير ذاته الذي يصدر اليوم، فإن نسبة الفقر في سوريا بلغت نسبة 83% ”بينهم 35% تحت خط الفقر المدقع“. وفي اليمن والعراق وليبيا، 11 مليوناً و2,4 مليون و٢١٠ آلاف على التوالي، يحتاجون إلى معونات غذائية.

وترامب، إذ يُقبل على وصد أبواب الولايات المتحدة أمام المنطقة، يُعزز آمال حلفائه في اليمين الأوروبي المتطرف بالفوز في انتخابات هولندا وفرنسا ودول أوروبا الشرقية حيث بات طرد ملايين اللاجئين مشروعاً انتخابياً مُربحاً. حتى بريطانيا العازمة على الخروج من الاتحاد الأوروبي بدأت تقاربها مع إدارة ترامب مبكراً. 

لم يبق سوى المستشارة الألمانية انجيلا ميركل. هي وحدها في ذاك الشطر من العالم، تعي الواقع المرير رغم كلفته: ضرب الميت حرام.