لماذا يا مصر؟

حسين عبد الحسين
الخميس   2016/05/19
في مئوية اتفاقية سايكس بيكو، لا ضير من اعادة التذكير بأسس “الاخوة” بين الدول العربية، والتي كانت تقضي بالحفاظ على علاقة طيبة، وان شكليا، بين حكوماتها. في الماضي، خرج بعض الحكام احيانا عن اللباقة، من قبيل ان يطّل العقيد الليبي معمر القذافي مهرّجاً في القمم، او ان يشن نائب الرئيس العراقي عزت الدوري ردحاً يصل حد “يلعن ابو شواربك انت امام العراق العظيم”.
لكن بعيدا عن ألاعيب صدام حسين وحافظ الأسد، اللذين تبادلا العداء باشعال الحروب بين فصائل تحرير فلسطين، التزم معظم حكام العرب  مبدأ عدم التدخل في شؤون الآخرين الا في الحالات المستعصية، كمجازر النظام السوري بحق السوريين. ولأن مواقف الدول العربية تجاه سوريا تتراوح بين الاجماع المطالب بالانتقال من حكم الرئيس بشار الأسد الى آخر انتقالي، او الحياد، يصبح موقف “جمهورية مصر العربية”، التي تشغل حاليا المقعد العربي غير الدائم في مجلس الأمن، خارجا عن المألوف.
مفهوم ان لا تكون حكومة مصر الحالية متحمسة لثورات عربية غير “ثورتها الثانية”، التي واكب فيها الجيش المصري “عفوية” الجماهير في الشارع، فأرسل رتلاً من عربات همفي اخرجت الرئيس السابق محمد مرسي من منزله واقتادته الى السجن. ولكن غير مفهوم نسبة العداء لدى المصريين، وحكومتهم، لثورات الآخرين، خصوصا الثورة السورية، فالحياد يتطلب على الأقل تأييد الهدنة وادخال المساعدات الانسانية، لا التمسك بمواقف تمليها مصلحة النظام السوري فحسب.
في نيويورك، تحولت البعثة المصرية الى شبه ناطقة باسم الأسد، وهو ما وفّر على روسيا احيانا حرج مواجهة العواصم الغربية التي تؤيد، الى حد ما، ثورة السوريين ضد رئيسهم ونظامه. هكذا، يحاول الاوروبيون تقديم مشروع قرار الى مجلس الأمن يفرض تنفيذ بنود القرار 2254 لناحية “وقف الاعمال القتالية في سوريا” و”السماح بايصال المساعدات الغذائية” الى المناطق السورية، فيأتي الاعتراض لا من روسيا، بل من مصر. ولأن سوريا شأن عربي، يحمل الاعتراض المصري ثقلا كونها تمثل الكتلة العربية.
ويترافق التأييد المصري المطلق للأسد مع نوع من العجرفة، فمن يتحدثون مع الديبلوماسيين المصريين في نيويورك ينقلون عنهم اعتقادهم ان القاهرة تتمتع بحكمة وحنكة لا تضاهيان، وانها تفضل “الديبلوماسية الهادئة”، وان مصر هي “أبرع دول العالم ديبلوماسيا”.
وتتطابق عجرفة البعثة المصرية مع المديح الذي تغدقه على نفسها القاهرة، التي ينفق حكامها وقتا على مد السجاد الاحمر لسياراتهم اكثر من الوقت الذي يخصصونه لفهم مشاكل مصر، السياسية والاقتصادية، ومعالجتها بحلول غير الحلول الخطابية الشعبوية التي يقدمونها.
أما ابرز مشكلة في الدعاية المصرية فتكمن في انها لا تنطلي غالبا الا على المصريين، ومن لا تنطلي عليه من المصريين او من المقيمين في مصر، يجد نفسه مسجونا او ملاحقا. 
ولا يبدو ان القاهرة، ولا بعثتها في نيويورك، تدركان ان العالم لا يراهما بالعظمة التي تريان نفسيهما عليها، فغالب المتابعين ينظرون الى مصر ويرون دولة ضعيفة سياسيا واقتصاديا، مفككة، مديونة، غارقة في ازماتها الادارية والأمنية والاجتماعية، لكنها مع ذلك تحاول الايحاء بعكس ذلك، وتسعى لاخراس أي رأي مخالف.
هذه هي مصر اليوم، كانت ام الدنيا، واليوم ترى الدنيا من مناظير البنادق العسكرية. عالمها اسود او ابيض: اما مع الثورات في العالم او مع الانظمة العسكرية. هي سياسة يحسبها المصريون حذاقة، ولكنها في الواقع مثيرة للشفقة، وتدفع المراقب الى الحيرة، والى عدّ الايام بانتظار خروج مصر من مجلس دولي هو أصلا معطل، ولم يُعِن السوريين في محنتهم بأكثر من بيانات القلق.