عفو بلا جريمة

محمد خير
السبت   2016/11/19
منذ أن عيّنه الرئيس، عضواً في مجلس النواب، لم يعد الأديب -الذي صار برلمانياً- يوسف القعيد، يتكلم كثيراً، لكنه تكلّم الخميس، ليصف قرار الرئيس بالعفو عن 82 شاباً سجيناً، بأنه" هدية لمصر".

هل أراد القعيد أن يستخدم البلاغة، المجاز؟ أن يتصور مصر سيدة -كما يرسمونها في الكاريكاتير – تتلقى من الرئيس علبة مزيّنة بشريط الهدايا وداخلها قرار العفو الرئاسي، أو ربما داخلها الشباب أنفسهم على غرار مشهد الفنانة نيللي في فوازير الخاطبة في عقد الثمانينات؟

أم أنه، الأديب النائب، فضّل أن ينحو نحو وزارة الداخلية، حين غيّرت في ما مضى شعارها القديم "الشرطة في خدمة الشعب"، إلى شعار "الشرطة والشعب في خدمة الوطن"، ليتحول الوطن، أو مصر كما في تصريح القعيد، إلى كيان منفصل عن الشعب نفسه، وبحيث يكون "الإحسان" إلى هذا الشعب، أو العفو عنه، شيئاً يفرح الوطن أو يحزنه. بهذا التصور فقط، باعتبار الوطن شيئاً منفصلاً عن مواطنيه، يمكن للمسؤول، للنائب، للضابط، أن يتصرف كما يرى ويريد، مع الشعب، من دون أن يؤثر هذا في "وطنيته".

أياً كان، لم يكن تصريح النائب الأديب هو الوحيد، وإن جاء معزولاً بين الشخصيات العامة. هناك بالطبع، تصريحات أهالي المفرج عنهم، والذين وجهوا الشكر إلى الرئيس. لكن نظرة إلى تفاصيل هذا الشكر، تمنحه معنى مغايراً. فهذا طالب لم يكن قد تبقى من عقوبته سوى ثلاثة أسابيع، وهذه سجينة انتهت من إمضاء عقوبتها بالفعل قبل توقيع العفو بأيام، وتأخر خروجها لمشاكل في الإجراءات. وكادت سجينة أخرى أكثر شهرة، وهي سناء سيف - التي ما زال شقيقها علاء عبد الفتاح في السجن - أن تقع في الموقف نفسه، إذ تكرر ظهور اسمها في قوائم العفو الأولى، مع أنها كانت قد غادرت السجن قبل العفو بساعات، فخلت القوائم التالية من اسمها. ويبدو أن القائمة الأولى، التي وضعت إبّان المؤتمر الوطني/الرسمي للشباب، قد تأخر توقيعها، فخرجت سناء في الفترة ما بين كتابة القائمة وتوقيعها. أما إسلام بحيري، باحث الإسلاميات، والأكثر شهرة بين "المعفي" عنهم، فلم يكن قد تبقى من عقوبته سوى خمسة أسابيع (ينتهي سجنه عاماً في نهاية ديسمبر المقبل بتهمة ازدراء الأديان). هكذا أمضى إسلام 11 شهراً من 12 شهراً، ليتم العفو عنه في الشهر الأخير. وهو لم يستفد حتى من ميزة الإفراج لقضاء ثلاثة أرباع المدة، وهي التي يستفيد منها صغار "المجرمين" وكبارهم على السواء.

وبالطبع، لم يكن جميع المفرج عنهم يقضون الأمتار الأخيرة من مسافة العقوبة. فمنهم من كان لا يزال أمامه سنوات في السجن، غير أنه بالنظر إلى العدد الضئيل للمفرج عنهم، قياساً إلى الأعداد الكلية للمسجونين والمحتجزين بلا محاكمة، ثم بالنظر إلى طبيعة التُّهم و"الإدانات" نفسها، التي تدور في غالبيتها العظمى حول أفعال تتعلق بالحق المباشر في الرأي والفكر والتعبير والاحتجاج، يصعب اعتبار القرار الجمهوري عفواً تقليدياً يستحق الشكر لأنه لا جريمة هناك. لم يكن المحبوسون مجرمين، بل هم أبرياء داخل السجن وخارجه، والحق أن الجريمة الوحيدة في الأمر كله كانت رميهم في السجون.