طهران للاحتفال وبيروت للتشييع

حسين عبد الحسين
الجمعة   2015/09/11
لا يفوت مرشد الثورة الايرانية علي خامنئي فرصة الا ويكرر مقولة عداء بلاده للولايات المتحدة، وغالبا ما يقف امام جماهير تنشد "الموت لأمريكا"، فيما لا يكلّ المسؤولون الايرانيون، المتشددون كما المعتدلين، عن التذكير باستمرار العداء لامريكا وعن الالتزام بـ "اقتصاد المقاومة" رغم اقتراب رفع العقوبات الغربية عن ايران. 
بدوره، يكرر الرئيس الاميركي باراك أوباما، خصوصا في المقابلات التي يدلي بها الى وسائل اعلامية مقربّة من اصدقاء اسرائيل، مقولة ان "الخيار العسكري" ضد ايران يبقى على الطاولة،. وتتحول هذه المقولة الى واحدة أقلّ عداونية بحسب المستمعين. مثلا، لا يتحدث أوباما عن "خيار عسكري" بحق ايران امام زعماء ومسؤولي الخليج العربي، اذ يقتصر عداءه امام هؤلاء على ضرورة "التصدي لنشاطات ايران المزعزعة للاستقرار في المنطقة".
ولكن، مثلما يهتف المسؤولون الايرانيون "الموت لامريكا" ويرسلون في الوقت نفسه من يمحو هذه الشعارات عن سور مبنى السفارة الاميركية في طهران، كذلك يتحدث المسؤولون الاميركيون عن "خيار عسكري" وتصد "لنشاطات ايران المزعزعة" وفي الوقت نفسه يستعيدون من الارشيف خرائط مبنى سفارتهم في ايران، ويعدّون مناقصة ترميم استعدادا لرفع العلم الاميركي في عاصمة الجمهورية الاسلامية، بعدما رفرف في قلب هافانا الشيوعية قبل شهور.
تصريحات خامنئي ومسؤوليه كتصريحات أوباما ومسؤوليه، ظاهرها عداء وباطنها توق لتجديد الصداقة وتوظيفها، كل لمصلحته. ايران تسعى لاستعادة واردات ثروتها النفطية لانفاقها على تثبيت الحكم الاسلامي وتمويل مغامراته في الاقليم، فيما أميركا تنظر الى الواردات الايرانية نفسها فترى استثمارات واسواقاً للشركات الاميركية. 
ايران تسعى الى ايماءة اميركية لمتابعة دورها الاقليمي تحت عنوان "مكافحة الارهاب"، اما اميركا، فتحت العنوان نفسه تسعى لاعادة الشراكة الامنية مع ايران التي تمتعت بها حتى سقوط الشاه في العام ١٩٧٩. وتحت العنوان نفسه القاضي بالتنسيق في "مكافحة الارهاب"، ستعمل واشنطن وطهران على تقاسم النفوذ في منطقة الشرق الاوسط: تبقي أميركا على المناطق الآمنة التي يسيطر عليها حلفاؤها، وتهدي الى ايران المناطق المتفجرة، فان نجحت ايران في تثبيتها، تستفيد أميركا من القضاء على شبح الارهاب الذي يطاردها منذ اكثر من عقد، وان فشلت ايران، تستفيد أميركا كذلك باستنزافها قوة اقليمية تحاول مزاحمتها ومزاحمة نفوذها.
الحوار بين مستضعفي ايران ومستكبري أميركا ظاهره شتائم ودعوات بالموت وتهديدات وتلويح بضربات عسكرية. اما باطنه، فتفاهم ضمني سعى أوباما بكد الى اثباته، فترك مدنيي سوريا يموتون، إن بالغاز ام بالبراميل، لإثبات حسن النية لطهران، وتراجع أوباما عن حلفاء ورثهم في غرب العراق، كذلك لشراء صداقة طهران. وردد الرئيس الاميركي في مقابلاته الحديث عن عالم عربي متخلف لا يرقى الى تقدم الايرانيين، اصحاب الحضارة العريقة، الذين يجب مصادقتهم ومحالفتهم. 

وسط التراشق والتنابذ بين طهران وواشنطن، كان وزير خارجية ايران جواد ظريف يتأبط ذراع نظيره الاميركي جون كيري ويتراجع عن ١٩ الف جهاز طرد مركزي ويقبل بستة الاف، ويقبل كذلك باقفال منشأة آراك لانتاج البلوتونيوم، فيما بادله كيري الود بالود، فاسقط شرط تفتيش منشأة فوردو العسكرية النووية، وتراجع عن مطالب سابقة.
اذا، هو حب وغرام بين أميركا وايران، ظاهره شتائم وباطنه وئام. 
هكذا  عندما يزور ظريف بيروت، تنقلب ابتساماته في فنادق فيينا مع كيري الى جبين مقطب. ثم يلّوح الوزير الايراني باصبعه ويتوعد "العدو الصهيوني"، وكأن ظريف في طهران شيء وفي بيروت شيء آخر. صورة ظريف المتناقضة هي نفس صورة الشباب الايراني المحتفل في شوارع طهران بالتوصل لاتفاقية مع أميركا، فيما الشباب العربي اللبناني يتشح بالسواد وهو يشيع قتلاه في بيروت ممن كانوا يتصدون للمؤامرة في دمشق.