كمال اللبواني الذي وحّد السوريين

عمر قدور
الثلاثاء   2014/09/16
بمعزل عن التوظيف السياسي، والاستثمار الكيدي بين الموالاة والمعارضة وضمن المعارضة نفسها، يمكن القول بأن زيارة المعارض السوري كمال اللبواني إلى إسرائيل وحّدت الجميع ضده. ويمكن الزعم بأن الأصوات التي نافحت عن حريته في التوجه إلى إسرائيل، على صفحات التواصل الاجتماعي، قليلة ولا تملك تأثيراً كبيراً ضمن نشطاء المعارضة. يمكن القول أيضاً بأن الزيارة أدّت مفعولاً يعاكس المتوخى منها، "لبوانياً" وإسرائيلياً، فهي أكّدت على حجم العداء الذي يكنّه السوريون لإسرائيل.

كان متوقعاً من جهة إسرائيل أن تُلتَقط تصريحات اللبواني منذ أشهر عن قيام تحالف بينها وبين المعارضة السورية، مع معرفة الإسرائيليين بأن صاحبها لا يمثّل ثقلاً في المعارضة، وعدم رغبتهم أصلاً في قيام مثل هكذا تحالف، فضلاً عن رضاهم المعلن عن الحرب المستمرة في سوريا. لذا لا تتجاوز دعوة اللبواني إطار الاستثمار الإعلامي، وجزء منه استثمار في ردود الأفعال عليها للتأكيد على كراهية السوريين لإسرائيل واستحالة صنع السلام معهم. ألّا يمثّل اللبواني سوى نفسه؛ أمر يرضي نسبة غالبة من الإسرائيليين، ويرضي صناع القرار الذين يميلون حتى الآن إلى الإبقاء على نظام الأسد باعتباره أفضل الخيارات إسرائيلياً. من هذه الجهة، ربما قدّمت زيارة اللبواني خدمة لإسرائيل وللنظام معاً.

لقد سبق للمعارضة أن استثمرت تصريحات رامي مخلوف "القريب المقرب للأسد"، عن المصلحة الإسرائيلية ببقاء النظام، فيما عُدّ مع بداية الثورة أول غزل شبه رسمي وعلني من قبل نظام الممانعة. ثم انتفت الحاجة إلى إثباتات من هذا القبيل مع انخراط حلف الممانعة كله في الحرب على السوريين، ومع اكتشاف حزب الله أن اليهود هم سوريو يبرود، وأن الطريق إلى القدس تمر من "القصير". في الواقع انتفت الحاجة إلى إسرائيل وخرجت مع الاستثمار اللفظي أيضاً، ولم يعد هناك من يصدّق أكذوبة حلف الممانعة، بمن فيهم أنصار الحلف أنفسهم. بهذا المعنى، الضجيج حول زيارة اللبواني يكرر جدالاً ممجوجاً لأنه يقوم على تقاذف الاتهامات المتبادلة السابقة، مع عدم تقديم أي جديد في النقاش حول آليات الصراع مع إسرائيل سلماً أو حرباً.

أسهل ما قيل في مناسبة الزيارة أن اللبواني لا يمثّل سوى نفسه، فهو قول يعفي الجميع من أي كلام لاحق، ويُضمر وجود اتفاق عام على كيفية التعاطي مع إسرائيل، على رغم أن السوريين لم يُظهروا خلال السنوات الأخيرة أي اتفاق يُبشّر بنهاية الصراع فيما بينهم. من جوانب السهولة في هذا القول المرسل التكلم نيابة عن السوريين، أو نيابة عن وجدانهم، وهذا ما ظهر أيضاً في بيان ائتلاف المعارضة الذي تحدث عن مواقف السوريين، متحاشياً الإشارة إلى النظام الذي حكم البلاد طوال نصف قرن، والذي تحدث باسم السوريين مانعاً إياهم من التحدث أصالة عن أنفسهم عبر صناديق الاقتراع. في الواقع، لم يتجرأ منتقدو اللبواني من كافة الأطياف على القول بأن العلاقة مع إسرائيل، سلماً أو حرباً، يقررها السوريون في صناديق الاقتراع عبر حكومة منتخبة، ومن هذه الجهة لا يحق للبواني الزعم بامتلاك حيثية تمثيلية، مثلما لا يحق لأحد سواه الدفع بزعم مشابه خارج صناديق الاقتراع.

ثمة وجدان وطني وأخلاقي يحكم نظرة الكثيرين إلى إسرائيل، وهو الذي يؤسس لحاجز نفسي. هذا أمر لا شك فيه، لكنه غير قابل للقياس على صعيد الفعل السياسي المباشر. ربما تأتي انتخابات سورية مأمولة بحكومة معادية لإسرائيل، وربما يحدث العكس، لكن الواقعية السياسية تقتضي من السوريين رؤية ما آلت إليه أحوالهم، وما آل إليه الصراع مع إسرائيل في عموم المنطقة. ففي الواقع، ومع نهاية العام الحالي، ستقترب الخسائر الاقتصادية السورية من حافة 400 مليار دولار أميركي، وإذا أخذنا في الاعتبار ما لا يقل عن ثلاث سنوات قادمة من الحرب، بحسب الخطة الأميركية للحرب على داعش، لن يكفي الناتج القومي السوري لعشر سنوات لاحقة لتغطية الآثار الاقتصادية للحرب الحالية. وإذا كان مأمولاً من البعض أن تنهال المساعدات في حال سقوط النظام فهي لن تأتي من جهات تضع العداء لإسرائيل في أولوياتها. الواقعية تقتضي القول بأن السوريين خرجوا من الصراع على المنطقة، وأن أي نظام سوري، بما في ذلك النظام الحالي، لن يكون قادراً على إزعاج إسرائيل ضمن الأمد المنظور.

ينبغي أيضاً الاعتراف بأن محور الممانعة يدافع عن نفسه في سوريا، لأن خريطة جيوسياسية جديدة ستُبنى في المنطقة بناء على نتائج الصراع في سوريا، وهذا ما لم يعد ممكناً التراجع عنه. ذلك لا يعني انتهاء الصراع مع إسرائيل، وهو ما ينبغي أن تقرر شعوب المنطقة طبيعته وأسلوب إدارته، إنما ليس على أرضية الشعارات التي أودت بأوطان بدل العمل على استرجاع الأراضي المحتلة. توحّد السوريين ضد اللبواني ينتمي إلى ذكرياتهم المشتركة ضد إسرائيل، لا إلى رغبة جادة في بناء وطنية سورية جامعة، ولو كان هذا كافياً أو مؤثراً حقاً لما تجرأ هو نفسه على القيام بزيارته.