حوار بطريركي مع داعش!

ساطع نور الدين
الخميس   2014/07/24

لم تكن دعوة البطريرك الماروني بشارة الراعي تنظيم داعش الى الحوار تتسم بالحكمة. فيها خروج عن النِصاب الديني والسياسي الذي حكم على ذلك التنظيم الوحشي بالنبذ والضلال.. لكنه، حتى الان على الاقل، لم ُيعتبر كافراً بالعقيدة، بل مغالياً في الايمان ومفرطاً في العنف، كما لم يعتبره مارقاً على حركة التغيير العربي والاسلامي، بل مازال جزءا منها، برغم الشكوك والشبهات حول دوره في دفع تلك المسيرة نحو الهاوية.

 الدعوة البطريركية تنسجم مع التعاليم المسيحية، لكنها لا تستوي مع المعتقدات الاسلامية التي يحملها داعش، ولا مع القيم السياسية التي يعبر عنها. التفرد البطريركي ليس عيباً او خرقاً للاعراف والمعايير. هو في الدرجة الاولى إذعان لمن لا يستحق، ولم يطلب، ولن يستجيب. وهو بالتالي هباء، لن يقدم ولن يؤخر موعد القضاء على ذلك التنظيم والعالم السفلي الذي يمثله، مع ما يحتويه من اختراقات فقهية وأمنية واستخباراتية لا جدال فيها.

المسيحيون العرب في خطر داهم. ما فعله التنظيم في الموصل وقبلها في الرقة ودير الزور وحلب لا يدع مجالا للشك في ان العالم العربي، (الذي اكتسب صفته هذه من مسيحييه تحديدا)، امام تحولات ديموغرافية جذرية لم يسبق لها مثيل في التاريخ، لا تنفع معها التطمينات ولا حلقات التضامن والتعاطف، ولا طبعا الدعوة الى الحوار، مع شخصيات خارجة للتو من كتب الأسلاف المثبتة بالكلمة والحرف، التي تكفر الاخر، المسيحي خاصة، وتحكم عليه بالجزية او الهجرة او الموت، من دون ان يلقى من العلماء والفقهاء سوى الاستنكار فقط لانه يسيء الى صورة الاسلام في الغرب، مثلما اساء الى صورة المسلمين في ما بينهم عندما اعلن خلافة غير مسندة بإجماع الامة او إتفاق رموزها!

صحيح ان من ميزات الربيع العربي، بل ربما ميزته الوحيدة الصامدة هو انه اطلق ذلك الغث، الاسلامي تحديدا، الى العلن، ووضعه في دائرة الضوء الفاضحة لهويته وثقافته وسلوكه، لكن داعش بالتحديد لم يكن وليد تلك اللحظة العربية او الاسلامية. الثابت انه كان ولا يزال يمثل انقلابا داخل تنظيم القاعدة قبل اي شيء آخر، وتعبيراً عن الصراع الداخلي في صفوفه الذي لم يستطع الزعيم أيمن الظواهري ان يحسمه طوال عقد مضى. وهو الان يسد فراغا عراقياً وسورياً هائلاً، ويواجه مقاومة سورية جدية من قبل فصائل المعارضة على اختلافها.. لكنه، في المناسبة، لا يواجه مثلها في العراق، حيث يمكن للمعارضين العراقيين المدعومين باكثر من مئتي الف مسلح ان يقتلعوا التنظيم من جذوره في خلال أيام ويمحو ذكر الخلافة الهزلية التي اعلنها من مسجد الموصل بحضور نحو مئتي تابع، تجمعوا في زاوية صغيرة من المكان الذي يتسع لنحو ثلاثة آلاف مصلٍ.

الدعوة البطريركية تخفي في طياتها اعتقاداً راسخاً في بكركي وفي الكثير من البيئات المسيحية والاسلامية بان الربيع العربي تحول الى خريف إسلامي، لا أكثر ولا أقل. وهو بالتالي اصبح بلاء على الامة بمسلميها ومسيحييها.. برغم ان التجارب المصرية والتونسية والليبية واليمنية تقود الى العكس تماما، بما هي تبعث استبدادا ماضيا، لكي تحارب اسلاماً سياسياً كان ولا يزال يمكن ان يوضع في مواجهة داعش وامثاله ويقضي عليهم تماما.. حتى من دون الحاجة الى استخدام العنف.

في الجوهر، لا تختلف الدعوة البطريركية المتعجلة للحوار مع داعش عن الاتهامات ( اللبنانية خاصة) الموجهة الى عموم المسلمين، السنة طبعا، بان في كل منهم داعشياً متخفياً بثياب عصرية تغطي حزامه الناسف وهو ينتظر اللحظة المناسبة لكي يفجر نفسه في الاعداء من الاقليات. وهو استدعاء غير محمود للحرب الاهلية، واستثمار غير مجزٍ للخوف المسيحي الحقيقي، الذي يمكن بسهولة ان يستثنى منه مسيحيو لبنان، لان الفتنة بين السنة والشيعة تعدهم وتؤهلهم لدور محوري لاحق، في اعادة إنتاج الوطنية اللبنانية على اسس عصرية جديدة تنحي جانبا غلاة المسلمين والمسيحيين على حد سواء.