إجتثاث "داعش" بالمؤتمرات والندوات

دلال البزري
الخميس   2014/11/27

انطلقت مجددا ورشة المؤتمرات والندوات حول الأديان والحوار بينها، منذ الزلزال الداعشي، اعتقاداً من المنظِّمين لأعمالها بأن نشاطهم هذا سوف يفعل فعله، ويقضي، ثقافيا على الأقل، على أولئك الإرهابيين. فصرتَ تسمع كل يوم وآخر، عن ختام واحدة من هذه الفعاليات، عن ترقب ثانية، وثالثة... وهلم جرى.

ولكن من هم هؤلاء المهتمين بمقارعة "داعش" في صميم عقيدتها؟ انهم علماء ورجال دين من كافة الأديان والمذاهب، ومفتين ورؤساء مؤسسات دينية، فضلا عن "متخصصين" في الحوار الاسلامي-المسيحي، غير مرتدين لباسا دينيا رسميا، مفكرون وبحاثة وصحافيون، أمضوا دهرا يعقدون المؤتمرات عن حبنا لبعضنا البعض وجمال الحوار والتعايش الخ. وفي جميع الاحوال، هذه الفعاليات هي تحت عنوان ديني ثابت، وتحت هيمنة رجال دين، أزهريين وحسينيين على حد سواء. يلتقون في الفنادق الفاخرة، وبتنظيم شديد، وتحت حراسة وبتغطية اعلامية، خصوصا تلفزيونية، يجلسون خلف المنبر بأوراقهم الوقورة، ويلقون على البؤساء من المواطنين مواعظ عنوانها "تعزيز الحوار". بعض الخطوط العريضة لهذا العنوان تجدها في دعوتهم؛ اذ لديهم النية في تناول "المواطنة وأهميتها في عالم اليوم"، و"رفض الإرهاب ومحاربته" و"العلاقات الإسلامية-المسيحية والإسلامية-الإسلامية"، و"دور الشريعة الإسلامية في تعزيز الحوار ورفض العنف".

سنعود الى نقطة "الشريعة" هذه، ولكن في هذه الأثناء، سوف نلاحظ أيضا بأن التوصيات التي خرجوا، او التي سوف يطلعون بها الى العلن بعد جهود الايام الثلاثة من اي مؤتمر او ندوة، هي نفسها، لا تتغير: "بلورة خطاب إعلامي يكرس ثقافة الحوار والتعايش السلمي"، "تبني الموضوعية وثقافة التعايش والسلام والأمن"، "تكريس روح التعاون والمحبة والسلام"، و"مراجعة وتصحيح صورة الآخر في المناهج التعليمية" الخ. أي انهم لن يخرجوا من تلك اللغة الخشبية التي طبعت عقودا من نشاطتهم الندواتي الحاد، وقد نمت اثناءها كل بذور الداعشية الراهنة، فأصبحت على ما هي عليه الآن من سطوة وسلطان وترويع. أحيانا، تُخطف شخصية من هنا، أو شعار عالمياً من هناك، تسخيرا لجدية المؤتمرين والمنتدين، وتحقيقا لمصداقية يعلمون ربما انهم يفتقدونها، خصوصا وان "داعش" يضع امامهم تحديا غير مسبوق: يقول لهم بأنه لا يفعل غير تطبيق الشريعة الإسلامية، السمحاء المقدسة. أي ان ثمة ما يجمعه بالمعممين والعلماء  والشيوخ، هو قانون الشريعة، الذي يرونه، بدروهم، قاعدة للعيش الآمن والهانيء. لذلك، إذا أقام الشيوخ المؤتمرات والندوات لمجابهة "داعش"، كل الكلام المعسول عن حبنا لبعضنا البعض لن يكون سوى هباء منثور، غبار كثيف، لن يحجب طبيعة المشكلة ولا تجلياتها القاسية. باسم الشريعة يقتل "داعش" الناس، وباسم الشريعة، يدعوه ممثلو المسلمين الى الكف عن ايذاءهم.

بدل الاكتفاء بالتغني بكل شيء، بما فيه بالشريعة، على المؤتمرين المعممين ان يقولوا بماذا تختلف شريعتهم عن شريعة "داعش"؟ هل أساتذة الأزهر، أو غيره من المؤسسات الدينية، يملكون شيئا من الشجاعة ليطرحوا على انفسهم، خلف المنابر الحوارية المهيبة اسئلة تنال برامجهم او مشاريعهم او الافكار الدائرة في وسطهم، ليقولوا بأنه، ربما كان لها الحظ الأوفر في انسياق أنفار "داعش"  نحو كل هذه الكراهية، التي يبغضون... في مؤتمراتهم على الاقل؟

من المعروف ان الجميع يربح في المؤتمرات، الجميع يبخّر الجميع. لكثرة خشبيتها، لا تطيق المؤتمرات الأصوات النشاز، تريد هدوءا وتوازنا لتخرج بخلاصات مهمة، من شأنها ان تزيح "داعش" عن درب الأحرار. تريد توصيات تنقلها الى المسؤولين العاجزين عن ادارة شؤونهم نفسها. الطمأنينة والاتفاق التام، وعدم الخروج عن اللغة المنحوتة طوال عقود، وترئيس المعمّمين... كل هذا لن يخرج الوحش الداعشي من عرينه. فالدين كما هو واضح جداً، ليس من اختصاص موظفيه، هذا الدين بالذات بنى نجوما ووجوها ومشاهير ومحجبات، لكنه ايضا أهدانا الداعشية. الدين شأننا كلنا، والحوار بين الاديان ليس فعل منابر، ولو مغطى تلفزيونيا؛ الحوار معيوش يومي، يتغذى خارج الفنادق الفخمة، في الشارع والسكن والعمل والعلاقات الفردية، وضمن تصور، أو قل رؤية، ليس على رجال الدين الذين يصوغونها على الوجه الأنسب، مهما كثرت ندواتهم ومؤتمراتهم، ومهما تعاظمت تغطياتها الإعلامية.