عدوى متنقلة ومال وفير...كيف تصبح "فود بلوغر" في لبنان

سمر يموت
السبت   2023/06/03
لم يعد انتشار المؤثرين في مواقع التواصل، حدثاً بحد ذاته في كثير من دول العالم، حيث بات أولئك الأفراد جزءاً من اقتصاد جديد نشيط وفعال، يقوم على فكرة التواصل الشخصي والأكثر فردانية بين المنتجين والمستهلكين، وفي الحالة المثالية ينشط المؤثرون ضمن مجالات يحبونها أصلاً كأفراد وتأتي الشهرة لاحقاً. لكنه في الدول العربية، ومن بينها لبنان، يبدو مختلفاً، حيث تظهر موجات من المؤثرين في مجال واحد، دفعة واحدة، يقلدون بعضهم البعض، كما هو حال "مؤثري الطعام" مؤخراً.

ويحظى المؤثرون بآلاف الإعجابات والمتابعين في "إنستغرام" و"تيك توك" تحديداً، ولم تعد صفحات المشاهير وأخبارهم وحدها عامل الجذب الأقوى للناس. ولدى تصفّح صفحات "الفود بلوغر" التي لا تعد ولا تحصى، يمكن رصد مئات المنشورات التي تروّج لمطاعم معروفة وغير معروفة، ولمقاهٍ كبيرة وصغيرة. وتتفاوت نسب المتابعة والإعجاب بين "فود بلوغر" وآخر، وفق شهرته أو المحتوى الذي يقدمه، وتنهال التعليقات التي "تشتهي" ما تراه العين، أو تلك التي تنتقد المحتوى المزور نظراً لتجارب شخصية في المطاعم نفسها التي يتم الترويج لها، حيث عاش الأفراد تجارب سلبية من ناحية جودة الطعام والنظافة وطريقة التقديم والخدمة غيرها.

ورغم أن تلك الصفحات تقدّم صورة جميلة عن "سياحة الأكل"، لكن الهدف الحقيقي من إنشائها هو الربح المادي وزيادة نسبة المتابعين وزبائن المطاعم والمقاهي والفنادق. وباتت تلك الصفحات هي المروّج الأقوى الذي يستفيد منه الطرفان، المؤثر والمطعم، مروراً بمستفيد ثالث هو الوكيل أو "Social media agenies" الذي يتولى التنسيق بين المؤثر والمطعم المراد التسويق لمنتجاته.

متابعون بالآلاف

لكن لماذا باتت صفحات "مؤثري الطعام" تحظى بمتابعة الآلاف؟ تقول رلى علي، إحدى المتابعات لمدوني الطعام: "لأنّها صفحات محببة الى قلبي وتشعرني بالراحة النفسية. الطعام يُشعرني بالسعادة حتى لو كنت أنظر إليه فقط، وأنا أحرص على قراءة التعليقات على المحتوى لأتأكّد من مصداقية المؤثر. باتت هذه الصفحات بمثابة دليل سياحي يجذبني الى هذا المطعم أو ذاك وفقاً لذوقي وذوق أصدقائي".

يختلف وائل حمصي مع ذلك الرأي، فيقول أن "الفوضى الموجودة في وسائل التواصل الاجتماعي وعدم مصداقية كثير من هؤلاء المؤثرين، باتت غير محتملة، والتجربة خير برهان، قصدت مطعماً يقدّم الوجبات السريعة روّج له مؤخراً عدد من الفود بلوغرز، ففوجئت بالنوعية السيئة للطعام والخدمة البطيئة والنظافة، فصرت أفضّل أن أقصد مكاناً سمعت عنه من صديق أثق في ذوقه".

من ناحيته، ينبّه جاد نعيم إلى عدم الانسياق الى كلّ ما نراه في السوشال ميديا لأنه "يجب التمييز بين الجيد والسيء من خلال الثقة في بلوغر مشهود له بمصداقيته، وآخر يريد كسب المال فقط حتى إن لم يكن مقتنعاً بما يقدّمه"، ويرى أنّ العشرات من المؤثرين يعكسون الصورة الجميلة عن لبنان بوصفه بلداً سياحياً، فالطعام يعتبر من أبرز ميزات هذا البلد والناس فيه ذواقة جدّاً ولا يمكن غشّها بمجرد صورة أو فيديو منشور.

عجقة مؤثرين

تتنوع التعليقات في صفحات المؤثرين بين سلبية وإيجابية، فبعض المتصفحين يشتهي المأكولات المعروضة، وغيره ينتقدها لأنّه تذوّق مثلها ومن المحل نفسه، ولم تكن جيّدة، وغيره من يتنمر أحياناً على صوت المؤثر أو طريقة عرضه، وقد يصل به الأمر الى نعته بأبشع الصفات. ورغم ذلك فإن صفحات المؤثرين في ازدياد مستمر، حيث يستقطب المؤثر وكالات الإعلان أو المطاعم والفنادق التي وجدت بدورها في أسلوبه البسيط عاملاً سلساً في تحقيق أرباح إضافية من طريق جذب مزيد من الزبائن.

وصحيح أنّ عالم الميديا فيه آلاف المؤثرين في العالم العربي، لكنّه رغم الفوضى، يشكّل أحياناً حافزاً لتقديم الأفضل فيسعى المؤثر للتمايز عن زملائه وعدم تكرار المادة التي يقدّمونه. ويقول جاد عاصي، صاحب صفحة "life with jad" في "انستغرام" و"تيك توك"، وهو متخصص في دراسة المصارف والتمويل، أنّ الطعام شغف، وأنه لديه خبرة 15 عاماً وسمعة ومصداقية يخولانه عدم القبول بكل دعوات الترويج لهذا المكان أو ذاك.

وأضاف عاصي أن "لكل مؤثر تصنيفه كما هو وتبعاً لما يقدّمه، أنا سعري مرتفع عن غيري ولا أقبل التصوير في أي مطعم ما لم تتوافر فيه معايير النظافة والأكل الطيب والضيافة اللبنانية المميزة، ويجب ألا يقل تصنيفه عن 8 من 10".

من جهته، يشير حسام ديّة، ناشر صفحة "Food couple lb" مع زوجته جنى حديب، أنّ فكرة الصفحة بدأت عندما كانا يقصدان المطاعم والمقاهي في فترة الخطوبة، فبدأت جنى بتصوير المحتوى، وعندما لقيت استحساناً لدى المتابعين، اعتمدا التصوير الثنائي، مضيفاً أنّهما يحرصان على اختيار المطاعم بدقة، وعندما تردهما دعوة للترويج لمطعم عبر إدارته أو من خلال "وكالات السوشال ميديا"، يعمدان الى نقل الصورة كما هي. فلو حصل أن صوّرا في أحد المطاعم ولم يعجبهما طعامه، يعتذران من صاحب المحل حفاظاً على مصداقيتهما، حتى ولو خسرا المردود المادي.

ولا يُخفي الشاب الذي درس علوم الكومبيوتر أنّه يختلف أحياناً مع زوجته التي تخصصت في الترجمة، في تصنيف الأطعمة، تماماً كما يختلف مع أذواق بعض المتابعين الذين قد يعلّقون سلباً على المحتوى لحجة ضعيفة: "الأكل ناقصو حامض أو ملح أو حرّ كتير في محل يقدم الأكل المكسيكي مثلاً"، مشيراً الى أن اهتمام أصحاب المطعم قد يكون أكبر عند تصوير المحتوى، ولا ينكر أن هذا العمل بات يشكل بالنسبة إليهما مصدر دخل لا بأس به الى جانب متابعة عمله المعتاد.

وتقول الدكتورة في علم النفسي الاجتماعي، فريال عبدالله، لـ"المدن" أنّ ظاهرة "الفود بلوغرز" فرضت نفسها بقوة في السوشال ميديا، و"هذا أمر طبيعي في عصر العولمة، والتفاعل معها وتقليدها يبدو طبيعياً. ومن المرجح أن يرتفع عدد المؤثرين والمتابعين، وستصيب هذه العدوى الكثير لأنها تحاكي حاجات الناس".