شارات اليد في تركيا... إبداعات المعركة الانتخابية

جو حمورة
الجمعة   2023/05/12
"الذئب" شعار القوميين الأتراك
لم يكن إدوارد برنايز، العالِم الأول الذي تكلم عن أهمية الرموز في الحياة السياسية والعامة، إنما كان الأبرز. رأى العالم الأميركي أن البروباغندا، وما تحمله من رموز وشعارات، هي الأدوات التنفيذية للسلطات والأحزاب والشركات، وهي الطريقة التي تُستخدم من أجل "صياغة الوعي عند الجمهور، عبر تحفيز المعاني، التاريخ، الوجدان والآمال". 

في الفترات الانتخابية، تكثر الرموز والشارات وتتصدر الشاشات والشبكات العنكبوتية. هذا ما يحصل في تركيا حالياً، حيث تُجرى انتخابات مصيرية ستحدد شكل الحكم وسياسات البلاد للسنوات الخمس المقبلة. فلكل مرشح رئاسي وحزب سياسي شارته المُعبّر عنها في اليد، إذ لم يكتفِ المرشحون والأحزاب بكتابة الشعارات البرّاقة أو طباعة الألوان الزاهية في كل مكان، بل راحت أيادي الناس تتناقل الرموز والشارات كذلك.

العدالة والتنمية
بات كل مناصر لحزب أو مرشح بمثابة لوحة إعلانية متجوّلة. حزب "العدالة والتنمية" الحاكم ومرشحه الرئاسي الدائم، رجب طيب إردوغان، أعادوا اختيار شارة "الأصابع الأربع" لهذه الانتخابات، والتي تعني، حسب الحزب، "أمة واحدة، علم واحد، وطن واحد، ودولة واحدة". وهي تأكيد على رؤية إردوغان وحزبه لتركيا موحّدة ضد مشاريع الشرق والغرب "الساعية إلى تقسيم البلاد أو إلى انفصال مجموعة منها عن الأخرى". 

هذه الشارة "القديمة" وُجِدت في مصر، خلال مرحلة فضّ الجيش المصري -بالقوة- الاعتصام في "ميدان رابعة العدوية" بالقاهرة العام 2013. في تلك الفترة، تحمّس إردوغان للحركة المصرية الرافضة للانقلاب العسكري على حُكم الرئيس محمد مرسي، وراح يرفع الشارة على المنابر. لكن، ومع تقدم الزمن، تم تتريك الشارة وأدخِلت كأداة في المنافسة الحزبية التركية الداخلية، وباتت رمزاً خاصاً لإردوغان وحزبه.


القوميون الأتراك
للقوميين الأتراك شارتهم كذلك. هؤلاء منقسمون بشدة في الانتخابات الرئاسية والنيابية. بعضهم اصطف مع إردوغان ضمن حزب "الحركة القومية"، والبعض الآخر اصطف مع مرشح ائتلاف المعارضة ضمن الحزب "الجيد"، وغيرهم ترشحوا بشكل منفرد إلى الانتخابات النيابية. لكل هؤلاء شارة واحدة يُعبّر عنها في اليد، وهي عبارة عن رسم صورة تشبيهية لوجه ذئب باستخدام أصابع اليد. 

للذئب هذا دلالة رمزية في الوجدان والتاريخ التركي، وهو الحيوان الرمزي الذي يستخدمه القوميون الأتراك بكثافة. كما يعود أصل وجوده في حياة الأتراك إلى أسطورة رمزية يتناقلونها من جيل إلى جيل، وتقول إن هذا الذئب هو الذي أنقذ الشعب التركي في العصور الغابرة من الضياع وأرشدهم للخروج من طي النسيان والضيق، فكان السند والمرشد لهم، وله قوة جبّارة كقوة الأتراك أنفسهم.

في سبعينيات القرن الماضي، راح زعيم "الحركة القومية" اليمينية، ألب إرسلان تروكيش، يستخدم شارة الذئب في اليد، كما أسس مجموعة طلابية تحت اسم "الذئاب الرمادية" عملت على اغتيال طلاب الأحزاب اليسارية طوال السبعينيات والثمانينيات. عملياً، أعاد "توركيش" إحياء الأسطورة، والتي باتت رمزاً يتم وضعه على الشاشات والصفحات الإلكترونية وجدران الشوارع. وهو، وإن كان لا يرمز اليوم إلى حزب واحد فقط، إنما إلى تيار واسع من القوميين، إلا أنه يبقى شارة يتم تناقلها بشكل كبير بين مجمل أطياف الشعب التركي.


القلب شعار المعارضة
على مقلب المعارضة، لم يجد مرشحها الرئاسي كمال كيليجدار أوغلو، من شارة ملفتة إلا شارة القلب. فراح خلال جولاته الانتخابية يرفع شارة القلب عبر دمج بعض أصابع اليدين، وذلك، حسب تعبيره، "لأننا كحزب نحب الناس وقريبون منهم". 

الشارة هذه تعرضت لجملة من الانتقادات اللاذعة من إردوغان نفسه، الذي اعتبر بداية الشهر الحالي أن كيليجدار أوغلو "لا يملك أي خطة، ولا يمكنه ولا يعرف تقديم أي شيء مفيد للأتراك سوى رفع شارات القلوب والتنظير عليهم". 


الخيار الثالث
أما المرشح الرئاسي المستقل، محرم إنجه، فكان أكثر إبداعاً من أخصامه، فرفع شارة "الأصابع الثلاث" بشكل يرمز "إلى الخيار الثالث المتاح للأتراك، لعدم انتخاب إردوغان أو كيليجدار أوغلو. ربط إنجه إذاً الشارة التي رفعها بشخصه، وقدمها كرمز للخيار الثالث والبديل، وجعلها بمثابة دعوة لانتخابه. 


هذا الإبداع يؤكد على غايته الأخيرة، إدوارد برنايز، والذي يرى أن "صوت الناس يعبّر عن وجدان الناس، ووجدان الناس يصنعه القادة الذين يعرفون التلاعب بمشاعر الأفراد والجماعات". فكل شارة رُفعت تعني شيئاً ما، ولديها قضية واضحة ودعوة أوضح إلى انتخاب شخص أو تيار أو حزب، وتبقى أداة مفيدة لتشجيع الناس على الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات المرتقبة، وذلك في انتظار معرفة أي شارة يد سوف تُرفع عالياً في "المجمّع الرئاسي" في أنقرة.