اشتهاء المحاسبة يُنسي المحتفلين.. هو "الشاهد" رياض سلامة

نور الهاشم
الخميس   2023/03/16
قصر عدل بيروت العدلية خلال محاكمة رياض سلامة (علي علوش)
الاحتفال المتسرع بالانتصار على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لمجرد مثوله أمام لجنة تحقيق أوروبية في بيروت، ينطوي على تسرّع، تماماً، كما الاحتفالات بانتصار "التيار الوطني الحر" عبر القاضية غادة عون في ملف المصارف وسلامة. 


ثمة الكثير من "ذرّ الرماد في العيون" من قبل تيار يجيد ابتكار الانتصارات ويسوقها.. وثمة الكثير من الأمنيات، يعبّر عنها مواطنون ذاقوا لوعة الانهيار، ويبحثون عن بارقة أمل في لبنان، لجهة محاسبة مسؤول عن المعاناة الأخيرة. 

منذ الاعلان عن مثول سلامة أمام لجنة قضائية لبنانية تجري التحقيق معه بإشراف أوروبي، تنفيذاً للاستنابة القضائية، اشتعلت وسائل الاعلام بالتحليلات، كما امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بالتشكيك والانتصارات. يسأل الإعلام عما إذا كانت القوى السياسية التي تُتهم بحمايته، قد تخلت عنه؟ وتذهب التحليلات أبعد الى اعتبار سلامة "عارياً" من الحماية في لحظة "تلبّس". 

تتوسع التقديرات أكثر. "سقط رياض سلامة"، و"توجه لدى القضاء لإصدار مذكرة تحقيق بحق سلامة"، وسط أسئلة: "هل خرج من مقر استجوابه؟ وكيف وصل، ومتى يعود؟"، وذلك للتدليل على أن الرجل مُدان، وأن القضاء الأوروبي أنجز ما لم يتمكن اي لبناني من الاقتراب منه. 


يذهب مغردون الى الشأن السياسي. "المخاوف تهزّ مقاعد السياسيين"، في إشارة الى التلبّس بالتهم، والفشل في مواجهتها.. وعلى وقع تلك التنبؤات، استفاد "التيار الوطني الحر" من لحظة التخبط، وأعلن انتصاره: القاضية غادة عون فعلت ما لم يفعله أحد قبلها، يقول مغرد. فيما يرى آخر أن المحامي وديع عقل حقق إنجازاً للبنانيين بملاحقة سلامة، وذلك على وقع تقدير متسرع أيضاً مفاده أن ضغط التيار "السلمي" حقق ما لم تحققه 17 تشرين... وهلمّ جرّاً.
 

اللافت في كل التقديرات السابقة، أن أياً من "المحللين" و"القياديين"، لم يتوقف عند تفصيل في منتهى الأهمية، وهو أن سلامة يجري التحقيق معه بصفة "شاهد". والشاهد هنا، غير مُدان.. ولن تكون هناك أي مذكرة توقيف بحقه. انُتقص هذا التفصيل من التداول الاعلامي، لأن غالبية وسائل الإعلام، لم تتحدث الى مصادر قضائية في حيثية المثول، بقدر ما بحثت في سياق الخبر وسيرورة مثوله. 

والإعلام هنا، في حال حُسن النية المهنية، حاول مجاراة أمنيات شعبية ترى أن توقيف سلامة، أو مجرد الاشارة الى مسؤولية مترتبة عليه، هو تعويض معنوي عن معاناة لبنانية تتفاقم، إثر الإزمات المعيشية وتدهور سعر صرف الليرة أمام الدولار. 

ما وصل إعلامياً من تداعيات مثول سلامة، أن الرجل أجاب على مئة سؤال باللغة العربية، وكان طلق اللسان في الاستفاضة في الشرح. يتيح هذا الجانب فرصة تخيّل بطريقة كلامه، ومطالعاته التي ستشبه حُكماً ما سبق أن قدمه عبر شاشات التلفزة، في ردود مكررة على أسئلة الناس.. من دون أن يقل شيئاً مفهوماً بالفعل. وبالتأكيد، يفكّر المرء، لن يفوت سلامة الفرصة لتقديم أدلة حول دعم الكهرباء، وأموال الدعم التي طلبت منه حكومة الرئيس حسان دياب صرفها.. ولن يضيع فرصة الحديث عن القروض التي طلبتها الحكومة، وكان وسيطاً فيها، وحقق فيها شقيقه الذي سيمثل أمام التحقيق خلال الأسابيع المقبلة، أرباحاً لصالح شركة "فوري"، بتسهيل منه. 


رياض سلامة سيحمل أوراقه، وسيدعم أقواله بالمستندات. يستحيل على رجل مثله أن يقوم بأي فعل، من دون التصرف كموظف "مثابر" و"حريص". في مطالعاته الاعلامية السابقة، فنّد ما أنفقه، وظهر بريئاً من الانهيار ومسبباته.. وفي جلسته القضائية، سيخرج الأوراق التي تبرئه، وتبعد عنه شبهات تورطه وتورط شركائه، في حال وجودهم.

ثمة مضبطة اتهام تلاحق الجميع. أعضاء المجلس النيابي والحكومات، بجميع المشاركين فيها. ما يعني أن ضياع حقوق البنانيين، جرى بجهد مشترك، ولم يكن هو إلا الموظف المنفّذ لقرارات السلطة التنفيذية... هو، بغض النظر عن عمق دوره واستفادته، يجيد تظهير الصورة هذه، والتي ليست بعيدة مبدئياً من الحقيقة. وعليه، إذا كان هناك مَن يجب أن يُحاسَب، فلتُحاسب الحكومات والبرلمانات السابقة. أما مثول سلامة، فلن يكون الا تأكيداً لما سبق أن اعلنه: بريء حتى نهاية ولايته في 31 تموز المقبل.