أسلحة لبنانية تتدفق الى فلسطين.. وإسرائيل تحاول إخفاء قلقها

أدهم مناصرة
الثلاثاء   2023/02/21
تبدو العلاقة طردية بين عدد الإعلانات الإسرائيلية عن ضبط عمليات تهريب الأسلحة المختلفة عبر حدود لبنان ومصر والأردن، وبين تزايد العمليات الفلسطينية المسلحة ضد أهداف إسرائيلية في السنة الأخيرة.

لكن الدعاية الإسرائيلية تسوق عمليات التهريب كسبب وحيد في تنامي العنف المجتمعي في صفوف المقيمين في فلسطين المحتلة العام 1948؛ لسببين: الأول باعتبارها محاولة من الاحتلال لإخفاء مسؤوليته عن تغذية جرائم القتل المنظمة التي تطاول الفلسطينيين، عبر الزعم أن "الأسلحة اللبنانية أو الأردنية أو المصرية هي المسؤولة عن قتل الفلسطينيين لبعضهم البعض".. مع العلم، أن السلاح مصدره أيضاً معسكرات الجيش الإسرائيلي حيث يُهرَّب لصالح عصابات الإجرام للفتك مجتمعياً بفلسطينيي-48، حتى أن بعض عائلات الإجرام مرتبط بشكل مباشر بحهاز الشاباك، كما يؤكد مسؤول بشرطة الاحتلال في حديث سُرّب سابقاً للإعلام العبري، في سياق تبريره تقاعس شرطته وازدواجيتها إزاء مكافحة الجريمة التي تفتك بفلسطينيي الخط الأخضر.

وأما الدافع الثاني لربط التهريب العابر للحدود بالجريمة، فهو تغليف التهريب ببُعد جنائي لا أمني؛ لإخفاء درجة القلق الأمني لإسرائيل، وعدم تسجيل نقاط في صالح ما تسميها "جهات مُعادية"، وذلك بعد عمليات أمنية في القدس والضفة نفذها فدائيون فلسطينيون، واسفرت عن مقتل مستوطنين اسرائيليين. 

لعلّ أحدث ما بثته محطات التلفزة العبرية هو ضبط تهريب الأسلحة عبر الحدود اللبنانية قرب قرية "عرب العرامشة" ليل السبت/الأحد بقيمة 50 ألف دولار، حيث أظهر الفيديو المزعوم شخصاً من الجانب اللبناني يلقي بحقيبة أسلحة إلى الجانب الآخر من الحدود مع شمال فلسطين، قبل أن تقوم قوة احتلالية باعتقال مَن تتهمه بالهريب، بحجة التحقيق معه.


تناغم الإعلام العبري مع حدود رسمتها الماكينة الدعائية للأمن الإسرائيلي بهدف ترويج الأمر وكأنه "جهد أمني لحماية الفلسطينيين من العنف المجتمعي وجرائم القتل بالأسلحة التي حصدت خلال شهر وما يزيد، نحو عشرين ضحية داخل فلسطين المحتلة". ودسّ تلفزيون "مكان" رأيه لتعزيز ما ترتأيه الرقابة العسكرية، بقوله: "طبعاً، هذه الأسلحة الآتية من لبنان تذهب لإستخدامها في الجريمة بالوسط العربي بإسرائيل".

لكنّ الحقيقة أن الحملة الإسرائيلية لضبط عمليات تهريب الأسلحة تصاعدت إثر توصيات أمنية بالتحرك نتيجة إدراك تل أبيب أن قسماً من الأسلحة قد وصل بطريقة أو بأخرى إلى أيدي فلسطينيين من داخل الخط الأخضر أو الضفة الغربية ليستخدموها لاحقاً في تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية.

فالغاية الإسرائيلية ليست "مكافحة الجريمة في الوسط العربي"، كما تدعي، وإنما لأن تسهيل الدولة العبرية إدخال أسلحة إلى منظمات الإجرام والمافيا لتصفية الفلسطينيين لبعضهم البعض، واشغالهم عن مواجهة الاحتلال وسياساته، قد ظهر وكأن "السحر انقلب على الساحر"، أي تحول إلى "بُعبع استراتيجي" للأمن الإسرائيلي.

وما عزز تكثيف المراقبة الإسرائيلية للحدود هو استخدام أسلحة من قبل مقاومين فلسطينيين من دون معرفة مصادرها، ويُشار هنا إلى البندقية التي استخدمها الشهيد ضياء حمارشة في عملية إطلاق نار في منطقة بني براك بتل أبيب في آذار/مارس 2022، حيث زعمت تحقيقات الاحتلال أن البندقية من طراز "أم16" من دون رقم، ما يعني أنها ليست مُسرّبة من معكسرات جيشه، لأن كل بندقية تابعة لجيش الاحتلال تحمل رقما يُستدل منه على رحلة وصولها إلى أيدٍ فلسطينية.

وهنُا، ادعى جيش الاحتلال أن البندقية التي وصلت إلى الشهيد حمارشة كانت مهربة عبر حدود الأردن أو مصر في وقت غير معروف، لكنه لم يعرف كيف وصلت إليه.

التهريب.. من جنائي إلى خطر أمني!
من خلال تتبع القراءات الإعلامية والأمنية الإسرائيلية على مدار أشهر، يُمكن الاستنتاج أن نظرة إسرائيل إلى التهريب عبر الحدود ومنهجية التعامل معه قد تغيرت جذرياً بعد العام 2019، وتحديداً مع جائحة كورونا وتصاعد حجم التهريب، إذ دأبت على النظر إليه قبل ذلك في سياق جنائي لا أمني، وهو ما جعلها تتعامل معه بشيء من التراخي، وفق المعالجات الإعلامية الإسرائيلية.

ويقول الإعلامي من فلسطينيي-48 عمر ربيع لـ"المدن"، بصفته باحثاً في الملف، إن إسرائيل غيرت، فعلياً، طريقتها في التعامل مع السلاح المهرب عبر حدود لبنان ومصر والأردن في أعقاب تعيين ضابط رفيع في جيش الاحتلال في ذروة كورونا، ويُعتبر هذا الضابط المهندس الرئيسي الذي غيّر عقلية المؤسسة العسكرية وتفكيرها إزاء التهريب، بعد تنويهه بأن التهريب ليس لغاية كسب المال من منظمات إجرامية، بل اعتبر أن "المهربين أفراد يزعزعون إسرائيل ويريدون المس بحدودها التي تمثل رمز سيطرتها".


الاحتلال: 3 طبقات لحراسة الحدود
ووفق المعطيات المتوافرة، فإنّ جيش الاحتلال يقوم بحراسة الحدود عبر ثلاث طبقات؛ الأولى بواسطة كاميرات دقيقة مُثبتة على الحدود وتنقل صورة ما يجري، ثم تبثها في غرف على شاشات كبيرة ترصدها مجندات إسرائيليات في العشرينيات من عمرهن.

وتُمثّل الطائرات المُسيّرة الطبقة الإسرائيلية الثانية، لتأتي وحدات الجنود المنتشرين في الميدان لتُشكّل الطبقة الثالثة، بينها الدوريات والكمائن.

اللافت أن المُجنّدات في غرفة مراقبة ما تبثه كاميرات الرصد حينما كُنّ في الماضي يُبلغن الجنود بوجود عملية تهريب، فإن الوحدات العسكرية لم تكن استجابتها جدية، لتصنيفها حينها جنائية لا أمنية، وهو مؤشر على تورط إسرائيلي في عمليات التهريب.. لكن في السنتين الأخيرتين، أصبح الجنود يتعاملون مع البلاغات بجدية أكبر بعد تعاملهم مع التهريب كـ"عملية أمنية".

ورصدت "المدن" مقالات أمنية إسرائيلية خلال الأشهر الماضية صنفت الحدود إلى نوعين: الأولى، "حدود السلام"، أي تلك المرتبطة بدول معها علاقات دبلوماسية، والنوع الثاني "حدود الحرب" مع لبنان وسوريا. والهدف من التصنيف خصوصية التعامل مع كل عملية تهريب.

ولم يعد الأمن الإسرائيلي ينظر إلى مجموعات التهريب من جهة لبنان، من منطلق جنائي، بدعوى أن "الجنائي في الحالة اللبنانية له ارتباطات أمنية أيضاً، لأن عملية التهريب لا تتم إلا بتنسيق المجموعات المهربة مع حزب الله صاحب الكلمة الفصل جنوب لبنان"، وفق الزعم الإسرائيلي.

وما يزيد مخاوف إسرائيل من التهريب عبر حدود لبنان، هو أن السلاح الذي هُرّب إلى مجموعات جنائية في فلسطين المحتلة سيصل آجلاً أم عاجلاً إلى مقاومين فلسطينيين. ناهيك عن اعتبار التهريب كوسيلة لجس نبض إسرائيل واختبارها، توطئة لاستقاء النتائج لتطوير طرق لاختراق الحدود لأهداف أمنية إذا ما حانت الفرصة، بمنظور إسرائيل!