"سيلفي" مع الزلزال

وليد بركسية
الإثنين   2023/02/13
ليست "السيلفي" التي التقطها موالو النظام السوري، مع رئيسه بشار الأسد، إلا مثالاً على وجود فئتين في سوريا، الأولى تعيش في الآلام، والثانية تصورها. ثمة الكثير ما يقال ويُحيّر في ابتسامات الرئيس وزوجته، إذا ما قورنت بتعابير وجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. إنها حكاية صورة، وإدارة إعلامية لصورة الرئيس، وثقافة تمتد من الموالاة العمياء، الى مفهوم الزعيم في تصورات الوطن.

في زيارته، الجمعة، للمدن السورية التي ضربها زلزال الأناضول، "واجه" الأسد الكارثة، بابتسامة، والتُقطت صور السيلفي مع المعجبين.

ينتهي بسرعة الكلام عن ابتسامة الرئيس وإطلالة زوجته "الكاجوال"، أمام حضور الموالين الذين فاتتهم فظائع السنوات الـ12 الماضية، وتقارير دولية عن المسؤولين عن مقتل نصف مليون سوري وتهجير الملايين.

ثمة من تذكّر مُلتقطي صور "السيلفي" في سجن صيدنايا العسكري وغيره.

وهنا، وسط الدمار، مع الابتسامات، تبرز ملامح الديستوبيا حيث يبرر أعداءٌ خارجيون كل البؤس اليومي الذي يعيش تفاصيله أولئك الموالون. فالمشاكل مرتبطة بالصمود الذي يرتبط بدوره بمفهوم الانتصار والكرامة وغيرها من المفاهيم السعيدة التي لُقّنت على مدى عقود في المدارس وعبر الإعلام والمؤسسات الرسمية المختلفة.

"منحبك".. مازال أولئك الأفراد يرددونها منذ سنوات. وتردد الصدى مجدداً بعد الزلزال، حتى عندما لم يكن الأسد قد خرج من قصره. كان ذلك الرد استباقياً في وجه الانتقادات التي طاولت غيابه عن مشهد كارثة الزلزال لمدة خمسة أيام. وعندما نزل أخيراً إلى الشارع وسط الركام، لم يكن هناك مشهد لافت سوى إحاطته بالمنحبكجية الذين حاولوا الاقتراب منه وتلمّسه علّهم ينالون شيئاً من البركة... بدا الرجل وسط الدمار، في عيون مواليه، وكأنه قديس هبط من السماء.

المنحبكجية يأتون من استخدامهم كلمة "منحبك" باللهجة العامّية، وهي الكلمة التي استخدمتها الأجهزة الأمنية في "الحملة الدعائية" للأسد خلال الانتخابات الرئاسية العام 2007، قبل أن تتحول الكلمة لازمةً ترافق صور الأسد في كل مكان، ويزداد استخدامها من موالي النظام بعد الثورة في البلاد.

وفيما كان حافظ الأسد يفرض صورته كقائد جبار لا يمرض ولا يموت، فإن بشار الأسد حاول عبر شركات العلاقات العامة المرتبطة بالنظام، تغيير هذه العقلية منذ الثورة في البلاد، لخلق صورة بشعبية جارفة للأسد كزعيم محبوب ومتواضع.

لم يستغرب أحد من المعجبين، ابتسامات الرئيس والسيدة الأولى فوق رؤوس الناجين من الزلزال في المشافي المتواضعة، بل كرروا عبارة "مع الشعب" في وصفهم للزيارة. وهي خاصية باتت أساسية في الإعلام الموالي منذ وصول الأسد للسلطة العام 2000، هو الذي يمشي باطمئنان مع عائلته من دون مرافقة في الشوارع وبين المطاعم الشعبية والقرى، لأنه لا يخاف من الشعب وينتمي إليه.. وهكذا تكون ابتسامات الرئيس وزوجته إكسير بث الطمأنينة في نفوس الناس بعد الزلزال الذي أضاف، مجاناً، بضعة آلاف إلى حصيلة القتلى منذ العام 2011.